قلبك ثم لما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام بتلك الحالة ذكر ما يدفع عنه السوء. فقال: * (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) * أي وما جعل الله دعي المرء ابنه ثم قدم عليه ما هو دليل قوي على اندفاع القبح وهو قوله: * (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم) * أي إنكم إذا قلتم لأزواجكم أنت علي كظهر أمي فلا تصير هي أما بإجماع الكل، أما في الإسلام فلأنه ظهار لا يحرم الوطء، وأما في الجاهلية فلأنه كان طلاقا حتى كان يجوز للزوج أن يتزوج بها من جديد، فإذا كان قول القائل لزوجته أنت أمي أو كظهر أمي لا يوجب صيرورة الزوجة أما كذلك قول القائل للدعي أنت أبي لا يوجب كونه ابنا فلا تصير زوجته زوجة الابن فلم يكن لأحد أن يقول في ذلك شيئا فلم يكن خوفك من الناس له وجه كيف ولو كان أمرا مخوفا ما كان يجوز أن تخاف غير الله أو ليس لك قلبان وقلبك مشغول بتقوى الله فما كان ينبغي أن تخاف أحدا.
ثم قال تعالى: * (ذلكم قولكم بأفواهكم) * فيه لطيفة وهو أن الكلام المعتبر على قسمين أحدهما: كلام يكون عن شيء كان فيقال: والثاني: كلام يقال فيكون كما قيل والأول كلام الصادقين الذين يقولون ما يكون والآخر كلام الصديقين الذين إذا قالوا شيئا جعله الله كما قالوه وكلاهما صادر عن قلب والكلام الذي يكون بالفم فحسب هو مثل نهيق الحمار أو نباح الكلب، لأن الكلام المعتبر هو الذي يعتمد عليه والذي لا يكون عن قلب وروية لا اعتماد عليه، والله تعالى ما كرم ابن آدم وفضله على سائر الحيوانات ينبغي أن يحترز من التخلق بأخلاقها، فقول القائل: هذا ابن فلان مع أنه ليس ابنه ليس كلاما فإن الكلام في الفؤاد وهذا في الفم لا غير، واللطيفة هي أن الله تعالى ههنا قال: * (ذلكم قولكم بأفواهكم) * وقال في قوله: * (وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم) * (التوبة: 30) يعني نسبة الشخص إلى غير الأب قول لا حقيقة له ولا يخرج من قلب ولا يدخل أيضا في قلب فهو قول بالفم مثل أصوات البهائم. ثم قال تعالى: * (والله يقول الحق) * إشارة إلى معنى لطيف وهو أن العاقل ينبغي أن يكون قوله إما عن عقل أو عن شرع فإذا قال فلان ابن فلان ينبغي أن يكون عن حقيقة أو يكون عن شرع بأن يكون ابنه شرعا وإن لم يعلم الحقيقة كمن تزوج بامرأة فولدت لستة أشهر ولدا وكانت الزوجة من قبل زوجة شخص آخر يحتمل أن يكون الولد منه فإنا نلحقه بالزوج الثاني فلقيام الفراش ونقول إنه ابنه وفي الدعي لم توجد الحقيقة ولا ورد الشرع به لأنه لا يقول إلا الحق وهذا خلاف الحق لأن أباه مشهور ظاهر ووجه آخر فيه وهو أنهم قالوا هذه زوجة الابن فتحرم وقال الله تعالى هي لك حلال، وقولهم لا اعتبار به فإنه بأفواههم كأصوات البهائم، وقول الله حق فيجب اتباعه وقوله: * (وهو يهدي السبيل) * يؤكد قوله: * (والله يقول الحق) * يعني يجب اتباعه لكونه حقا ولكونه هاديا وقوله تعالى: * (ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق) * فيه لطيفة وهو أن الكلام الذي بالفم فحسب يشبه صوت البهائم الذي يوجد لا عن قلب، ثم إن الكلام الذي بالقلب قد