إن في ذلك لآية لكل عبد منيب " 9 " ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد " 10 " وأما التهديد فبقوله: * (إن نشأ نخسف بهم الأرض) * يعني نجعل عين نافعهم ضار هم بالخسف والكسف.
ثم قال تعالى: * (إن في ذلك لآية لكل عبد منيب) * أي لكل من يرجع إلى الله ويترك التعصب ثم إن الله تعالى لما ذكر من ينيب من عباده، ذكر منهم من أناب وأصاب ومن جملتهم داود كما قال تعالى عنه: * (فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب) * (ص: 24) وبين ما أتاه الله على إنابته فقال:
* (ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبى معه والطير وألنا له الحديد) *. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله تعالى: * (منا) * إشارة إلى بيان فضيلة داود عليه السلام، وتقريره هو أن قوله: * (ولقد آتينا داوا منا فضلا) * مستقل بالمفهوم وتام كما يقول القائل: آتي الملك زيدا خلعة، فإذا قال القائل آتاه منه خلعة يفيد أنه كان من خاص ما يكون له، فكذلك إيتاء الله الفضل عام لكن النبوة من عنده خاص بالبعض، ومثل هذا قوله تعالى: * (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان) * (التوبة: 21) فإن رحمة الله واسعة تصل إلى كل أحد في الدنيا لكن رحمته في الآخرة على المؤمنين رحمة من عنده لخواصه فقال: * (يبشرهم ربهم برحمة منه) *.
المسألة الثانية: في قوله: * (يا جبال أوبي معه) * قال الزمخشري: * (يا جبال) * بدل من قوله: * (فضلا) * معناه آتيناه فضلا قولنا يا جبال، أو من آتينا ومعناه قلنا يا جبال.
المسألة الثالثة: قرئ أوبي بتشديد الواو من التأويب وبسكونها وضم الهمزة أوبي من الأوب وهو الرجوع والتأويب الترجيع، وقيل بأن معناه سيرى معه، وفي قوله: * (يسبحن) * قالوا: هو من السباحة وهي الحركة المخصوصة.
المسألة الرابعة: قرئ * (والطير) * بالنصب حملا على محل المنادى والطير بالرفع حملا على لفظه.
المسألة الخامسة: لم يكن الموافق له في التأويب منحصرا في الجبال والطير ولكن ذكر الجبال، لأن الصخور للجمود والطير للنفور تستبعد منهما الموافقة، فإذا وافقه هذه الأشياء فغيرها أولى، ثم إن من الناس من لم يوافقه وهم القاسية قلوبهم التي هي أشد قسوة من الحجارة.
المسألة السادسة: قوله: * (وألنا له الحديد) * عطف، والمعطوف عليه يحتمل أن يكون قلنا المقدر في قوله يا جبال تقديره قلنا: * (يا جبال) * أوبي وألنا، ويحتمل أن يكون عطفا على آتينا تقديره آتيناه فضلا وألنا له.
المسألة السابعة: ألان الله له الحديد حتى كان في يده كالشمع وهو في قدرة الله يسير، فإنه يلين بالنار وينحل حتى يصير كالمداد الذي يكتب به، فأي عاقل يستبعد ذلك من قدرة الله، قيل