ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون المسألة الثالثة: قال ههنا * (إذا فريق منهم) * وقال في العنكبوت: * (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) * (العنكبوت: 65) ولم يقل فريق وذلك لأن المذكور هناك ضر معين، وهو ما يكون من هول البحر والمتخلص منه بالنسبة إلى الخلق قليل، والذي لا يشرك به بعد الخلاص فرقة منهم في غاية القلة فلم يجعل المشركين فريقا لقلة من خرج من المشركين، وأما المذكور ههنا الضر مطلقا فيتناول ضر البر والبحر والأمراض والأهون والمتخلص من أنواع الضر خلق كثير بل جميع الناس يكونون قد وقعوا في ضر ما وتخلصوا منه، والذي لا يبقى بعد الخلاص مشركا من جميع الأنواع إذا جمع فهو خلق عظيم، وهو جميع المسلمين فإنهم تخلصوا من ضر ولم يبقوا مشركين، وأما المسلمون فلم يتخلصوا من ضر البحر بأجمعهم، فلما كان الناجي من الضر من المؤمنين جمعا كثيرا، جعل الباقي فريقا.
* (ليكفروا بمآ ءاتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون * أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون) *.
قوله تعالى: * (ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون) * قد تقدم تفسيره في العنكبوت بقي بيان فائدة الخطاب ههنا في قوله: * (فتمتعوا) * وعدمه هناك في قوله: * (وليتمتعوا فسوف يعلمون) * فنقول لما كان الضر المذكور هناك ضرا واحدا جاز أن لا يكون في ذلك الموضع من المخلصين من ذلك الضر أحد، فلم يخاطب ولما كان المذكور ههنا مطلق الضر ولا يخلو موضع من المخلصين عن الضر، فالحاضر يصح خطابه بأنه منهم فخاطب.
ثم قال تعالى: * (أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون) * لما سبق قوله تعالى: * (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم) * (الروم: 29) أي المشركون يقولون ما لا علم لهم به بل هم عالمون بخلافه فإنهم وقت الضر يرجعون إلى الله حقق ذلك بالاستفهام بمعنى الانكار، أي ما أنزلنا بما يقولون سلطانا، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أم للاستفهام ولا يقع إلا متوسطا، كما قال قائلهم:
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل * وبين النقا آأنت أم أم سالم فما الاستفهام الذي قبله؟ فنقول تقديره إذا ظهرت هذه الحجج على عنادهم فماذا نقول، أهم يتبعون الأهواء من غير علم؟ أم لهم دليل على ما يقولون؟ وليس الثاني فيتعين الأول.
المسألة الثانية: قوله تعالى: * (فهو يتكلم) * مجاز كما يقال إن كتابه لينطق بكذا، وفيه معنى لطيف