من الغابرين أي الماضي ذكرهم لا من الذين ننجي منهم، أو نقول المهلك يفنى ويمضي زمانه والناجي هو الباقي فقالوا إنها من الغابرين أي من الرائحين الماضين لا من الباقين المستمرين، وأما على الوجه الثاني فنقول لما قضى الله على القوم بالإهلاك كان الكل في الهلاك إلا من ننجي منه فقالوا إنا ننجي لوطا وأهله، وأما امرأته فهي من الباقين في الهلاك.
قوله تعالى * (ولمآ أن جآءت رسلنا لوطا سىء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين * إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السمآء بما كانوا يفسقون * ولقد تركنا منهآ ءاية بينة لقوم يعقلون) *.
ثم إنهم جاؤوا من عند إبراهيم إلى لوط على صورة البشر فظنهم بشرا فخاف عليهم من قومه لأنهم كانوا على أحسن صورة خلق الله والقوم كما عرف حالهم فسيء بهم أي جاءه ما ساءه وخاف ثم عجز عن تدبيرهم فحزن وضاق بهم ذرعا كناية عن العجز في تدبيرهم، قال الزمخشري يقال طال ذرعه وذراعه للقادر وضاق للعاجز، وذلك لأن من طال ذراعه يصل إلى ما لا يصل إليه قصير الذراع والاستعمال يحتمل وجها معقولا غير ذلك، وهو أن الخوف والحزن يوجبان انقباض الروح ويتبعه اشتمال القلب عليه فينقبض هو أيضا والقلب هو المعتبر من الإنسان، فكان الإنسان انقبض وانجمع وما يكون كذلك يقل ذرعه ومساحته فيضيق، ويقال في الحزين ضاق ذرعه والغضب والفرح يوجبان انبساط الروح فينبسط مكانه وهو القلب ويتسع فيقال اتسع ذرعه، ثم إن الملائكة لما رأوا خوفه في أول الأمر وحزنه بسبب تدبيرهم في ثاني الأمر قالوا لا تخف علينا ولا تحزن بسبب التفكر في أمرنا ثم ذكروا ما يوجب زوال خوفه وحزنه فإن مجرد قول القائل لا تخف لا يوجب زوال الخوف فقالوا معرضين بحالهم: * (إنا منجوك وأهلك) * وإنا منزلون عليهم العذاب حتى يتبين له أنهم ملائكة فيطول ذرعه ويزول روعه وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: أنه تعالى قال من قبل: * (ولما جاءت رسلنا إبراهيم) * (العنكبوت: 31) وقال ههنا: * (ولما أن جاءت رسلنا) * فما الحكمة فيه؟ فنقول حكمة بالغة وهي أن الواقع في وقت المجئ هناك قول