فتكون الحجة لهم في ذلك قوية والعذر ظاهرا والجواب: أن القاضي لا يترك آية من الآيات المشتملة على المدح والذم والثواب والعقاب إلا ويعيد استدلاله بها، وكما أن وجه استدلاله في الكل هذا الحرف فكذا وجه جوابنا حرف واحد وهو أن علم الله تعالى بعدم الإيمان مع وقوع الإيمان متنافيان لذاتيهما فمع العلم بعدم الإيمان إذا أمر بإدخال الإيمان في الوجود فقد أمر بالجمع بين الضدين، والذي اعتمد القاضي عليه في دفع هذا الحرف في كتبه الكلامية قوله خطأ قول من يقول إنه يمكن وخطأ قول من يقول إنه لا يمكن بل الواجب السكوت ولو أورد الكافر هذا السؤال على ربه لما كان لربه عنه جواب إلا السكوت، فتكون حجة الكافر قوية وعذره ظاهرا فثبت أن الإشكال مشترك والله أعلم.
قوله تعالى * (فأما من تاب وءامن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين * وربك يخلق ما يشآء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون * وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون * وهو الله لا إله إلا هو له الحمد فى الاولى والاخرة وله الحكم وإليه ترجعون) *.
اعلم أنه تعالى لما بين حال المعذبين من الكفار وما يجري عليهم من التوبيخ أتبعه بذكر من يتوب منهم في الدنيا ترغيبا في التوبة وزجرا عن الثبات على الكفر فقال: * (فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين) * وفي عسى وجوه: أحدها: أنه من الكرام تحقيق والله أكرم الأكرمين وثانيها: أن يراد ترجي التائب وطمعه كأنه قال فليطمع في الفلاح وثالثها: عسى أن يكونوا كذلك إن داموا على التوبة والإيمان لجواز أن لا يدوموا، واعلم أن القوم كانوا يذكرون شبهة أخرى ويقولون: * (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) * (الزخرف: 31) يعنون الوليد بن المغيرة أو أبا مسعود الثقفي، فأجاب الله تعالى عنه بقوله: * (وربك يخلق ما يشاء ويختار) * والمراد أنه المالك المطلق وهو منزه عن النفع والضر فله أن يخص من شاء بما شاء لا اعتراض عليه البتة، وعلى طريقة المعتزلة لما ثبت أنه حكيم مطلق علم أنه كل ما فعله كان حكمة وصوابا فليس لأحد أن يعترض عليه وقوله: * (ما كان لهم الخيرة) * والخيرة اسم من الاختيار قام مقام المصدر