يبعد أن يقال: * (ثم سواه ونفخ فيه من روحه) * عائد إلى آدم أيضا لأن كلمة ثم للتراخي فتكون التسوية بعد جعل النسل من سلالة، وذلك بعد خلق آدم، واعلم أن دلائل الآفاق أدل على كمال القدرة كما قال تعالى: * (لخلق السماوات والأرض أكبر) * (غافر: 57) ودلائل الأنفس أدل على نفاذ الإرادة فإن التغيرات فيها كثيرة وإليه الإشارة بقوله: * (ثم جعل نسله * ثم سواه) * أي كان طينا فجعله منيا ثم جعله بشرا سويا، وقوله تعالى: * (ونفخ فيه من روحه) * إضافة الروح إلى نفسه كإضافة البيت إليه للتشريف، واعلم أن النصارى يفترون على الله الكذب ويقولون بأن عيسى كان روح الله فهو ابن ولا يعلمون أن كل أحد روحه روح الله بقوله: * (ونفخ فيه من روحه) * أي الروح التي هي ملكه كما يقول القائل داري وعبدي، ولم يقل أعطاه من جسمه لأن الشرف بالروح فأضاف الروح دون الجسم على ما يترتب على نفخ الروح من السمع والبصر والعلم فقال تعالى: * (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال وجعل لكم مخاطبا ولم يخاطب من قبل وذلك لأن الخطاب يكون مع الحي فلما قال: * (ونفخ فيه من روحه) * خاطبه من بعده وقال جعل لكم، فإن قيل الخطاب واقع قبل ذلك كما في قوله تعالى: * (ومن آياته أن خلقكم من تراب) * (الروم: 20) فنقول هناك لم يذكر الأمور المرتبة وإنما أشار إلى تمام الخلق، وههنا ذكر الأمور المرتبة وهي كون الإنسان طينا ثم ماء مهينا ثم خلقا مسوى بأنواع القوى مقوي فخاطب في بعض المراتب دون البعض.
المسألة الثانية: الترتيب في السمع والأبصار والأفئدة على مقتضى الحكمة، وذلك لأن الإنسان يسمع أولا من الأبوين أو الناس أمورا فيفهمها ثم يحصل له بسبب ذلك بصيرة فيبصر الأمور ويجريها ثم يحصل له بسبب ذلك إدراك تام وذهن كامل فيستخرج الأشياء من قبله ومثاله شخص يسمع من أستاذ شيئا ثم يصير له أهلية مطالعة الكتب وفهم معانيها، ثم يصير له أهلية التصنيف فيكتب من قلبه كتابا، فكذلك الإنسان يسمع ثم يطالع صحائف الموجودات ثم يعلم الأمور الخفية.
المسألة الثالثة: ذكر في السمع المصدر وفي البصر والفؤاد الاسم، ولهذا جمع الأبصار والأفئدة ولم يجمع السمع، لأن المصدر لا يجمع وذلك لحكمة وهو أن السمع قوة واحدة ولها فعل