المسألة الأولى: الواو للعطف على ما سبق منهم فإنهم قالوا محمد ليس برسول والله ليس بواحد وقالوا الحشر ليس بممكن.
المسألة الثانية: أنه تعالى قال في تكذيبهم الرسول في الرسالة أم يقولون بلفظ المستقبل وقال في تكذيبهم إياه في الحشر، وقالوا بلفظ الماضي، وذلك لأن تكذيبهم إياه في رسالته لم يكن قبل وجوده وإنما كان ذلك حالة وجوده فقال يقولون يعني هم فيه، وأما إنكارهم للحشر كان سابقا صادرا منهم ومن آبائهم فقال وقالوا.
المسألة الثالثة: أنه تعالى صرح بذكر قولهم في الرسالة حيث قال: * (أم يقولون) * وفي الحشر حيث قال: * (وقال أئذا) * ولم يصرح بذكر قولهم في الوحدانية، وذلك لأنهم كانوا مصرين في جميع الأحوال على إنكار الحشر والرسول، وأما الوحدانية فكانوا يعترفون بها في المعنى، ألا ترى أن الله تعالى قال: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) * (لقمان: 25) فلم يقل قالوا إن الله ليس بواحد وإن كانوا قالوه في الظاهر.
المسألة الرابعة: لو قال قائل لما ذكر الرسالة ذكر من قبل دليلها وهو التنزيل الذي لا ريب فيه ولما ذكر الوحدانية ذكر دليلها وهو خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان من طين، ولما ذكر إنكارهم الحشر لم يذكر الدليل، نقول في الجواب: ذكر دليله أيضا وذلك لأن خلق الإنسان ابتداء دليل على قدرته على إعادته، ولهذا استدل الله على إمكان الحشر بالخلق الأول كما قال: * (ثم يعيده وهو أهون عليه) * (الروم: 27) وقوله: * (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) * (يس: 79) وكذلك خلق السماوات كما قال تعالى: * (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم * بلى) * (يس: 81، 82).
وقوله تعالى: * (أئنا لفي خلق جديد) * أي أئنا كائنون في خلق جديد أو واقعون فيه * (بل هم بلقاء ربهم كافرون) * إضراب عن الأول يعني ليس إنكارهم لمجرد الخلق ثانيا بل يكفرون بجميع أحوال الآخرة حتى لو صدقوا بالخلق الثاني لما اعترفوا بالعذاب والثواب، أو نقول معناه لم ينكروا البعث لنفسه بل لكفرهم، فإنهم أنكروه فأنكروا المفضى إليه، ثم بين ما يكون لهم من الموت إلى العذاب.
ثم قال تعالى * (قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) *.
يعني لا بد من الموت ثم من الحياة بعده وإليه الإشارة بقوله: * (ثم إلى ربكم ترجعون) * وقوله: * (الذي وكل بكم) * إشارة إلى أنه لا يغفل عنكم وإذا جاء أجلكم لا يؤخركم إذ لا شغل له إلا هذا وقوله: * (يتوفاكم ملك الموت) * ينبئ عن بقاء الأرواح فإن التوفي الاستيفاء والقبض هو الأخذ والإعدام المحض ليس بأخذ، ثم إن الروح الزكي الطاهر يبقى عند الملائكة مثل الشخص بين أهله