* (أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد) * " 8 ". أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السمآء والارض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السمآء ثم قال تعالى: * (أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد) * هذا يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون تمام قول الذين كفروا أولا أعني هو من كلام من قال: * (هل ندلكم) * ويحتمل أن يكون من كلام السامع المجيب لمن قال: * (هل ندلكم) * كأن السامع لما سمع قول القائل: * (هل ندلكم على رجل) * قال له: أهو يفتري على الله كذبا؟ إن كان يعتقد خلافه، أم به جنة (أي) جنون؟ إن كان لا يعتقد خلافه وفي هذا لطيفة: وهي أن الكافر لا يرضى بأن يظهر كذبه، ولهذا قسم ولم يجزم بأنه مفتر، بل قال مفتر أو مجنون، احترازا من أن يقول قائل كيف يقول بأنه مفتر، مع أنه جائز أن يظن أن الحق ذلك فظن الصدق يمنع تسمية القائل مفتريا وكاذبا في بعض المواضع، ألا ترى أن من يقول جاء زيد، فإذا تبين أنه لم يجئ وقيل له كذبت، يقول ما كذبت، وإنما سمعت من فلان أنه جاء، فظننت أنه صادق فيدفع الكذب عن نفسه بالظن، فهم احترزوا عن تبين كذبهم، فكل عاقل ينبغي أن يحترز عن ظهور كذبه عند الناس، ولا يكون العاقل أدنى درجة من الكافر، ثم إنه تعالى أجابهم مرة أخرى وقال: * (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب) * في مقابلة قولهم: * (أفترى على الله كذبا) * وقوله: * (والضلال البعيد في مقابلة قولهم: * (به جنة) * وكلاهما مناسب. أما العذاب فلأن نسبة الكذب إلى الصادق مؤذية، لأنه شهادة عليه بأنه يستحق العذاب فجعل العذاب عليهم حيث نسبوه إلى الكذب. وأما الجنون فلأن نسبة الجنون إلى العاقل دونه في الإيذاء، لأنه لا يشهد عليه بأنه يعذب، ولكن ينسبه إلى عدم الهداية فبين أنهم هم الضالون، ثم وصف ضلالهم بالبعد، لأن من يسمي المهتدي ضالا يكون هو الضال، فمن يسمي الهادي ضالا يكون أضل، والنبي عليه الصلاة والسلام كان هادي كل مهتد.
ثم قال تعالى: * (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء) * لما ذكر الدليل بكونه عالم الغيب وكونه جازيا على السيئات والحسنات ذكر دليلا آخر وذكر فيه تهديدا. أما الدليل فقوله: * (من السماء والأرض) * فإنهما يدلان على الوحدانية كما بيناه مرارا، وكما قال تعالى: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) * (لقمان: 25) ويدلان على الحشر لأنهما يدلان على كمال قدرته ومنها الإعادة، وقد ذكرناه مرارا، وقال تعالى: * (أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم