وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين " 43 " عليه من الظلم والعناد والإثم والفساد يتحسرون ويندمون.
(المسألة الثانية) قوله: * (نفعا) * مفيد للحسرة، وأما الضر فما الفائدة فيه مع أنهم لو كانوا يملكون الضر لما نفع الكافرين ذلك؟ فنقول لما كانت العبادة تقع لدفع ضر المعبود كما يعبد الجبار ويخدم مخافة شره بين أنهم ليس فيهم ذلك الوجه الذي يحسن لأجله عبادتهم.
(المسألة الثالثة) قال: ههنا * (عذاب النار التي كنتم بها تكذبون) * وقال في السجدة: * (عذاب النار الذي كنتم به) * جعل المكذب هنالك العذاب وجعل المكذب ههنا النار وهم كانوا يكذبون بالكل، والفائدة فيها أن هناك لم يكن أول ما رأوا النار بل كانوا هم فيها من زمان بدليل قوله تعالى * (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) * أي العذاب المؤبد الذي أنكرتموه بقولكم: * (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) * أي قلتم إن العذاب إن وقع فلا يدوم فذوقوا الدائم، وههنا أول ما رأوا النار لأنه مذكور عقيب الحشر والسؤال فقيل لهم: هذه * (النار التي كنتم بها تكذبون) *.
ثم قال تعالى (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباءكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى، وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين).
إظهارا لفساد اعتقادهم واشتداد عنادهم حيث تبين أن أعلى من يعبدونه وهم الملائكة لا يتأهل للعبادة لذواتهم كما قالوا: * (سبحانك أنت ولينا) * أي لا أهلية لنا إلا لعبادتك من دونهم أي لا أهلية لنا لأن نكون معبودين لهم ولا لنفع أو ضر كما قال تعالى: * (فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا) * ثم مع هذا كله إذا قال لهم النبي عليه السلام كلاما من التوحيد وتلا عليهم آيات الله الدالة عليه، فإن لله في كل شيء آيات دالة على وحدانيته أنكروها وقالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم يعني يعارضون البرهان بالتقليد * (وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى) * وهو يحتمل وجوها أحدها: أن يكون المراد أن القول بالوحدانية * (إفك مفترى) * ويدل عليه هو أن الموحد كان يقول في حق المشرك إنه يأفك كما قال تعالى في حقهم: * (أإفكا آلهة دون الله تريدون) * وكما قالوا هم للرسول: * (أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا) * وثانيها: أن يكون المراد * (ما هذا إلا إفك) * أي القرآن إفك وعلى الأول يكون قوله: * (وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا