سورة الروم ستون آية مكية (إلا آية 17 فمدنية، نزلت بعد الانشقاق بسم الله الرحمن الرحيم * (ألم * غلبت الروم * فى أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون بسم الله الرحمن الرحيم (ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين) وجه تعلق أول هذه السورة بما قبلها يتبين منه سبب النزول، فنقول لما قال الله تعالى في السورة المتقدمة * (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) * (العنكبوت: 46) وكان يجادل المشركين بنسبتهم إلى عدم العقل كما في قوله: * (صم بكم عمي فهم لا يعقلون) * (البقرة: 171) وكان أهل الكتاب يوافقون النبي في الإله كما قال: * (وإلهنا وإلهكم واحد) * (العنكبوت: 46) وكانوا يؤمنون بكثير مما يقوله بل كثير منهم كانوا مؤمنين به كما قال: * (والذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به) * (العنكبوت: 47) أي أبغض المشركون أهل الكتاب وتركوا مراجعتهم وكانوا من قبل يراجعونهم في الأمور، فلما وقعت الكرة عليهم حين قاتلهم الفرس المجوس فرح المشركون بذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآيات لبيان أن الغلبة لا تدل على الحق، بل الله تعالى قد يريد مزيد ثواب في المحب فيبتليه ويسلط عليه الأعادي، وقد يختار تعجيل العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر قبل يوم الميعاد للمعادي، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: ما الحكمة في افتتاح هذه السورة بحروف التهجي؟ فنقول قد سبق منا أن كل سورة افتتحت بحروف التهجي فإن في أوائلها ذكر الكتاب أو التنزيل أو القرآن كما في قوله تعالى: * (ألم ذلك الكتاب) * (البقرة: 1، 2)، * (المص كتاب) * (الأعراف: 1)، * (طه ما أنزلنا عليك القرآن) * (طه: 1، 2)، * (ألم تنزيل الكتاب) * * (حم تنزيل من الرحمن الرحيم) * (فصلت: 2)، * (يس والقرآن) * (يس: 1، 2)، * (ص والقرآن) * (ص: 1) إلا هذه السورة وسورتين أخريين ذكرناهما في العنكبوت وقد ذكرنا ما الحكمة فيهما في موضعهما فنقول ما يتعلق بهذه السور وهو أن السورة التي في أوائلها التنزيل والكتاب والقرآن في أوائلها ذكر ما هو معجزة فقدمت عليها الحروف على ما تقدم بيانه في العنكبوت وهذه ذكر في أولها ما هو معجزة وهو الإخبار عن الغيب، فقدمت الحروف التي لا يعلم معناها ليتنبه السامع فيقبل بقلبه على الاستماع، ثم ترد عليه المعجزة وتقرع الأسماع.
المسألة الثانية: قوله تعالى: * (في أدنى الأرض) * أي أرض العرب، لأن الألف واللام