وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى أو ربى لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين * ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم " 4 ".
من أنواع رحمته منها المطر ومنها الملائكة ومنها القرآن، وما يعرج فيها منها الكلم الطيب لقوله تعالى:
(إليه يصعد الكلم الطيب) ومنها الأرواح ومنها الأعمال الصالحة لقوله: (والعمل الصالح يرفعه) وفيه مسائل:
(المسألة الأولى) قدم ما يلج في الأرض على ما ينزل من السماء، لأن الحبة تبذر أولا ثم تسقى ثانيا.
(المسألة الثانية) قال وما يعرج فيها ولم يقل يعرج إليها إشارة إلى قبول الأعمال الصالحة ومرتبة النفوس الزكية وهذا لأن كلمة إلى للغاية، فلو قال وما يعرج إليها لفهم الوقوف عند السماوات فقال: * (وما يعرج فيها) * ليفهم نفوذها فيها وصعودها منها ولهذا قال في الكلم الطيب: (إليه يصعد الكلم الطيب) لأن الله هو المنتهى ولا مرتبة فوق الوصول إليه، وأما السماء فهي دنيا وفوقها المنتهى.
(المسألة الثالثة) قال: * (وهو الرحيم الغفور) * رحيم بالإنزال حيث ينزل الرزق من السماء، غفور عندما تعرج إليه الأرواح والأعمال فرحم أولا بالإنزال وغفر ثانيا عند العروج.
ثم بين أن هذه النعمة التي يستحق الله بها الحمد وهي نعمة الآخرة أنكرها قوم فقال تعالى:
(وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة) * ثم رد عليهم وقال: * (قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم).
أخبر بإتيانها وأكده باليمين، قال الزمخشري رحمه الله: لو قال قائل كيف يصح التأكيد باليمين مع أنهم يقولون لا رب وإن كانوا يقولون به، لكن المسألة الأصولية لا تثبت باليمين وأجاب عنه بأنه لم يقتصر على اليمين بل ذكر الدليل وهو قوله: (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات) وبيان كونه دليلا هو أن المسئ قد يبقى في الدنيا مدة مديدة في اللذات العاجلة ويموت عليها والمحسن قد يدوم في دار الدنيا في الآلام الشديدة مدة ويموت فيها، فلولا دار تكون الأجزية فيها لكان