صبار شكور) * صبار في الشدة شكور في الرخاء، وذلك لأن المؤمن متذكر عند الشدة والبلاء عند النعم والآلاء فيصبر إذا أصابته نقمة ويشكر إذا أتته نعمة وورد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم " الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر " إشارة إلى أن التكاليف أفعال وتروك والتروك صبر عن المألوف كما قال عليه الصلاة والسلام " الصوم صبر والأفعال شكر على المعروف ".
ثم قال تعالى * (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد باياتنآ إلا كل ختار كفور) *.
لما ذكر الله أن في ذلك لآيات ذكر أن الكل معترفون به غير أن البصير يدركه أولا ومن في بصره ضعف لا يدركه أولا، فإذا غشيه موج ووقع في شدة اعترف بأن الكل من الله ودعاه مخلصا أي يترك كل من عداه وينسى جميع من سواه، فإذا نجاه من تلك الشدة قد بقي على تلك الحالة وهو المراد بقوله: * (فمنهم مقتصد) * وقد يعود إلى الشرك وهو المراد بقوله: * (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (موج كالظلل) * وحد الموج وجمع الظلل، وقيل في معناه كالجبال، وقيل كالسحاب إشارة إلى عظم الموج، ويمكن أن يقال الموج الواحد العظيم يرى فيه طلوع ونزول وإذا نظرت في الجرية الواحدة من النهر العظيم تبين لك ذلك فيكون ذلك كالجبال المتلاصقة.
المسألة الثانية: قال في العنكبوت * (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله) * (العنكبوت: 65) ثم قال: * (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) * (العنكبوت: 65) وقال ههنا * (فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد) * فنقول لما ذكر ههنا أمرا عظيما وهو الموج الذي كالجبال بقي أثر ذلك في قلوبهم فخرج منهم مقتصد أي في الكفر وهو الذي انزجر بعض الانزجار، أو مقتصد في الإخلاص فبقي معه شيء منه ولم يبق على ما كان عليه من الإخلاص، وهناك لم يذكر مع ركوب البحر معاينة مثل ذلك الأمر فذكر إشراكهم حيث لم يبق عنده أثر.
المسألة الثالثة: قوله: * (وما يجحد بآياتنا) * في مقابلة قوله تعالى: * (إن في ذلك لآيات) * يعني يعترف بها الصبار الشكور، ويجحدها الختار الكفور والصبار في موازنة الختار لفظا، ومعنى والكفور في موازنة الشكور، أما لفظا فظاهر، وأما معنى فلأن الختار هو الغدار الكثير الغدر أو الشديد الغدر، والغدر لا يكون إلا من قلة الصبر، لأن الصبور إن لم يكن يعهد مع أحد لا يعهد منه الأضرار، فإنه يصبر ويفوض الأمر إلى الله وأما الغدار فيعهد ولا يصبر على