المسألة الثانية: قال ههنا وفي الأعراف: * (فأخذتهم الرجفة) * وقال في هود: * (فأخذتهم الصيحة) * (الحجر: 73) والحكاية واحدة، نقول لا تعارض بينهما فإن الصيحة كانت سببا للرجفة، إما لرجفة الأرض إذ قيل إن جبريل صاح فتزلزلت الأرض من صيحته، وإما لرجفة الأفئدة فإن قلوبهم ارتجفت منها، والإضافة إلى السبب لا تنافي الإضافة إلى سبب السبب، إذ يصح أن يقال روى فقوي، وأن يقال شرب فقوي في صورة واحدة.
المسألة الثالثة: حيث قال: * (فأخذتهم الصيحة) * قال: * (في ديارهم) * وحيث قال: * (فأخذتهم الرجفة) * قال: * (في دارهم) * فنقول المراد من الدار هو الديار، والإضافة إلى الجمع يجوز أن تكون بلفظ الجمع، وأن تكون بلفظ الواحد إذا أمن الالتباس، وإنما اختلف اللفظ للطيفة، وهي أن الرجفة هائلة في نفسها فلم يحتج إلى مهول، وأما الصيحة فغير هائلة في نفسها لكن تلك الصيحة لما كانت عظيمة حتى أحدثت الزلزلة في الأرض ذكر الديار بلفظ الجمع، حتى تعلم هيبتها والرجفة بمعنى الزلزلة عظيمة عند كل أحد فلم يحتج إلى معظم لأمرها، وقيل إن الصيحة كانت أعم حيث عمت الأرض والجو، والزلزلة لم تكن إلا في الأرض فذكر الديار هناك غير أن هذا ضعيف لأن الدار والديار موضع الجثوم لا موضع الصيحة والرجفة، فهم ما أصبحوا جاثمين إلا في ديارهم.
* (وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين * وقارون وفرعون وهامان ولقد جآءهم موسى بالبينات فاستكبروا فى الارض وما كانوا سابقين) *.
ثم قال تعالى: * (وعادا وثمود) * أي وأهلكنا عادا وثمود لأن قوله تعالى: * (فأخذتهم الرجفة) * دل على الإهلاك * (وقد تبين لكم من مساكنهم) * الأمر وما تعتبرون منه، ثم بين سبب ما جرى عليهم فقال: * (وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل) * فقوله: * (وزين لهم الشيطان أعمالهم) * يعني عبادتهم لغير الله * (وصدهم عن السبيل) * يعني عبادة الله * (وكانوا مستبصرين) * يعني بواسطة الرسل يعني فلم يكن لهم في ذلك عذر فإن الرسل أوضحوا السبل. ثم قال تعالى: * (وقارون وفرعون وهامان) * عطفا عليهم أي: وأهلكنا قارون وفرعون وهامان.