من الأوثان غير معلوم فقال: * (لا يملكون لكم رزقا) * لعدم حصول العلم به وقال: * (فابتغوا عند الله الرزق) * الموعود به، ثم قال: * (فاعبدوه) * أي اعبدوه لكونه مستحقا للعبادة لذاته واشكروا له أي لكونه سابق النعم بالخلق وواصلها بالرزق * (وإليه ترجعون) * أي اعبدوه لكونه مرجعا منه يتوقع الخير لا غير.
قوله تعالى * (وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين) *.
لما فرغ من بيان التوحيد أتى بعده بالتهديد فقال: * (وإن تكذبوا) * وفي المخاطب في هذه الآية وجهان: أحدهما: أنه قوم إبراهيم والآية حكاية عن قوم إبراهيم كأن إبراهيم قال لقومه: * (إن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم) * وأنا أتيت بما علي من التبليغ فإن الرسول ليس عليه إلا البلاغ والبيان والثاني: أنه خطاب مع قوم محمد عليه السلام ووجهه أن الحكايات أكثرها إنما تكون لمقاصد لكنها تنسى لطيب الحكاية ولهذا كثيرا ما يقول الحاكي لأي شيء حكيت هذه الحكاية فالنبي عليه السلام كان مقصوده تذكير قومه بحال من مضى حتى يمتنعوا من التكذيب ويرتدعوا خوفا من التعذيب، فقال في أثناء حكايتهم يا قوم إن تكذبوا فقد كذب قبلكم أقوام وأهلكوا فإن كذبتم أخاف عليكم ما جاء على غيركم، وعلى الوجه الأول في الآية مسائل:
المسألة الأولى: أن قوله: * (فقد كذب أمم) * كيف يفهم، مع أن إبراهيم لم يسبقه إلا قوم نوح وهم أمة واحدة؟ والجواب عنه من وجهين: أحدهما: أن قبل نوح كان أقوام كقوم إدريس وقوم شيث وآدم والثاني: أن نوحا عاش ألفا وأكثر وكان القرن يموت ويجيء أولاده والآباء يوصون الأبناء بالامتناع عن الاتباع فكفى بقوم نوح أمما.
المسألة الثانية: ما * (البلاغ) * وما * (المبين) *؟ فنقول البلاغ هو ذكر المسائل، والإبانة هي إقامة البرهان عليه.
المسألة الثالثة: الآية تدل على أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز لأن الرسول إذا بلغ شيئا ولم يبينه فإنه لم يأت بالبلاغ المبين، فلا يكون آتيا بما عليه.
قوله تعالى * (أو لم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير) *.
لما بين الأصل الأول وهو التوحيد وأشار إلى الأصل الثاني وهو الرسالة بقوله: * (وما على