سورة الأحزاب سبعون وثلاث آيات وهي مدنية بإجماع بسم الله الرحمن الرحيم * (يا أيها النبى اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما) *.
قوله تعالى: * (يا أيها النبي إتق الله) *. في تفسير الآية مسائل:
الأولى: في الفرق بين النداء والمنادى بقوله يا رجل ويا أيها الرجل، وقد قيل فيه ما قيل ونحن نقول قول القائل يا رجل يدل على النداء وقوله يا أيها الرجل يدل على ذلك أيضا وينبئ عن خطر خطب المنادي له أو غفلة المنادى أما الثاني: فمذكور وأما الأول: فلأن قوله: (يا أي) جعل المنادى غير معلوم أولا فيكون كل سامع متطلعا إلى المنادى فإذا خص واحدا كان في ذلك إنباء الكل لتطلعهم إليه، وإذا قال يا زيد أو يا رجل لا يلتفت إلى جانب المنادى إلا المذكور إذا علم هذا فنقول * (يا أيها) * لا يجوز حمله على غفلة النبي لأن قوله * (النبي) * ينافي الغفلة لأن النبي عليه السلام خبير فلا يكون غافلا فيجب حمله على خطر الخطب.
المسألة الثانية: الأمر بالشيء لا يكون إلا عند عدم اشتغال المأمور بالمأمور به إذ لا يصلح أن يقال للجالس اجلس وللساكت اسكت والنبي عليه السلام كان متقيا فما الوجه فيه؟ نقول فيه وجهان: أحدهما: منقول وهو أنه أمر بالمداومة فإنه يصح أن يقول القائل للجالس اجلس ههنا إلى أن أجيئك، ويقول القائل للساكت قد أصبت فاسكت تسلم، أي دم على ما أنت عليه والثاني: وهو معقول لطيف، وهو أن الملك يتقي منه عباده على ثلاثة أوجه بعضهم يخاف من عقابه وبعضهم يخاف من قطع ثوابه وثالث يخاف من احتجابه فالنبي لم يؤمر بالتقوى بالمعنى الأول ولا بالمعنى الثاني، وأما الثالث فالمخلص لا يأمنه ما دام في الدنيا. وكيف والأمور الدنيوية شاغلة والآدمي في الدنيا تارة مع الله، وأخرى مقبل على ما لابد منه، وإن كان معه الله وإلى هذا إشارة بقوله: * (إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي) * (فصلت: 6) يعني يرفع الحجاب عني وقت الوحي ثم أعود إليكم كأني منكم فالأمر بالتقوى يوجب استدامة الحضور الوجه الثاني: هو أن النبي عليه الصلاة والسلام كل لحظة كان يزداد علمه ومرتبته حتى كان حاله فيما مضى بالنسبة إلى ما هو فيه تركا للأفضل، فكان له في كل ساعة تقوى متجددة فقوله: * (اتق الله) * على هذا أمر بما ليس فيه وإلى هذا أشار عليه الصلاة والسلام بقوله: