قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون * قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم " 26 " (المسألة الأولى) هذا إرشاد من الله لرسوله إلى المناظرات الجارية في العلوم وغيرها وذلك لأن أحد المتناظرين إذا قال للآخر هذا الذي تقوله خطأ وأنت فيه مخطئ يغضبه وعند الغضب لا يبقى سداد الفكر وعند اختلاله لا مطمع في الفهم فيفوت الغرض، وأما إذا قال له بأن أحدنا لا يشك في أنه مخطئ والتمادي في الباطل قبيح والرجوع إلى الحق أحسن الأخلاق فنجتهد ونبصر أينا على الخطأ ليحترز فإنه يجتهد ذلك الخصم في النظر ويترك التعصب وذلك لا يوجب نقصا في المنزلة لأنه أوهم بأنه في قوله شاك ويدل عليه قول الله تعالى لنبيه: * (وإنا أو إياكم) * مع أنه لا يشك في أنه هو الهادي وهو المهتدي وهم الضالون والمضلون.
المسألة الثانية: في قوله: * (لعلى هدى أو في ضلال مبين) * ذكر في الهدى كلمة على وفي الضلال كلمة في لأن المهتدي كأنه مرتفع متطلع فذكره بكلمة التعالي، والضال منغمس في الظلمة غريق فيها فذكره بكلمة في.
المسألة الثالثة: وصف الضلال بالمبين ولم يصف الهدى لأن الهدي هو الصراط المستقيم الموصل إلى الحق والضلال خلافه لكن المستقيم واحد وما هو غيره كله ضلال وبعضه بين من بعض، فميز البعض عن البعض بالوصف.
المسألة الرابعة: قدم الهدى على الضلال لأنه كان وصف المؤمنين المذكورين بقوله: * (إنا) * وهو مقدم في الذكر.
ثم قال تعالى: * (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون) * أضاف الإجرام إلى النفس وقال في حقهم: * (ولا نسأل عما تعملون) * ذكر بلفظ العمل لئلا يحصل الإغضاب المانع من الفهم وقوله: * (لا تسألون) * * (ولا نسأل) * زيادة حث على النظر وذلك لأن كل أحد إذا كان مؤاخذا بجرمه فإذا احترز نجا، ولو كان البريء يؤاخذ بالجرم لما كفى النظر.
ثم قال تعالى: * (قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم) * أكد ما يوجب النظر والتفكر، فإن مجرد الخطأ والضلال واجب الاجتناب، فكيف إذا كان يوم عرض وحساب وثواب وعذاب وقوله: * (يفتح) * قيل معناه يحكم، ويمكن أن يقال بأن الفتح ههنا مجاز وذلك لأن الباب المغلق والمنفذ المسدود يقال فيه فتحه على طريق الحقيقة. ثم إن الأمر إذا كان فيه انغلاق وعدم وصول إليه فإذا بينه أحد يكون قد فتحه وقوله: * (وهو الفتاح العليم) * إشارة إلى أن حكمه يكون مع العلم لا مثل حكم من يحكم بما يتفق له بمجرد هواه.