فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون " 42 " يقول هؤلاء أتباعي وأشياعي، ولا أدخل المدينة مخافة أن أحتاج إلى خدمة السلطان العظيم والتردد إليه ينسب إلى الجنون، فكذلك من رضي بأن يترك خدمة الله وعبادته، ورضي باستتباع الهمج الذين هم أضل من البهائم وأقل من الهوام يكون مجنونا، فقالوا: * (أنت ولينا من دونهم) * يعني كونك ولينا بالمعبودية أولى، وأحب إلينا من كونهم أولياءنا بالعبادة لنا وقالوا: * (بل كانوا يعبدون الجن) * أي كانوا ينقادون لأمر الجن، فهم في الحقيقة كانوا يعبدون الجن، ونحن كنا كالقبلة لهم، لأن العبادة هي الطاعة وقوله تعالى: * (أكثرهم بهم مؤمنون) * لو قال قائل جميعهم كانوا تابعين للشياطين، فما وجه قوله: * (أكثرهم بهم مؤمنون) * فإنه ينبئ أن بعضهم لم يؤمن بهم ولم يطع لهم؟ نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما: أن الملائكة احترزوا عن دعوى الإحاطة بهم فقالوا أكثرهم لأن الذين رأوهم واطلعوا على أحوالهم كانوا يعبدون الجن ويؤمنون بهم ولعل في الوجود من لم يطلع الله الملائكة عليه من الكفار الثاني: هو أن العبادة عمل ظاهر والإيمان عمل باطن فقالوا: * (بل كانوا يعبدون الجن) * لاطلاعهم على أعمالهم وقالوا: * (أكثرهم بهم مؤمنون) * عند عمل القلب لئلا يكونوا مدعين اطلاعهم على ما في القلوب فإن القلب لا اطلاع عليه إلا لله، كما قال تعالى: * (إنه عليم بذات الصدور) *.
ثم بين أن ما كانوا يعبدونه لا ينفعهم فقالوا: * (فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون) * وفيه مسائل:
(المسألة الأولى) الخطاب بقوله: * (بعضكم) * مع من؟ نقول يحتمل أن يكون الملائكة لسبق قوله تعالى: * (أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) * وعلى هذا يكون ذلك تنكيلا للكافرين حيث بين لهم أن معبودهم لا ينفع ولا يضر، ويصحح هذا قوله تعالى: * (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) * وقوله: * (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) * ولأنه قال بعده: * (ونقول للذين ظلموا ذوقوا) * فأفرد هم ولو كان المخاطب هم الكفار لقال فذوقوا.
وعلى هذا يكون الكفار داخلين في الخطاب حتى يصح معنى قوله: * (بعضكم لبعض) * أي الملائكة للكفار، والحاضر الواحد يجوز أن يجعل من يشاركه في أمر مخاطبا بسببه، كما يقول القائل لواحد حاضر له شريك في كلام أنتم قلتم، على معنى أنت قلت، وهم قالوا، ويحتمل أن يكون معهم الجن أي لا يملك بعضكم لبعض أيها الملائكة والجن، وإذا لم تملكوها لأنفسكم فلا تملكوها لغيركم ويحتمل أن يكون المخاطب هم الكفار لأن ذكر اليوم يدل على حضورهم، وعلى هذا فقوله: * (نقول للذين ظلموا) * إنما ذكره تأكيدا لبيان حالهم في الظلم، وسبب نكالهم من الإثم ولو قال: * (فذوقوا عذاب النار) * لكان كافيا لكنه، لا يحصل ما ذكرنا من الفائدة، فإنهم كلما كانوا يسمعون ما كانوا