يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات إعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور " 13 ".
لا يجتمعان مع الإنسان؛ الطير لنفوره من الإنس والإنس لنفوره من الجن، فإن الإنسان يتقي مواضع الجن، والجن يطلب أبدا اصطياد الإنسان والإنسان يطلب اصطياد الطير فقدر الله أن صار الطير لا ينفر من داود بل يستأنس به ويطلبه، وسليمان لا ينفر من الجن بل يسخره ويستخدمه وأما القطر والحديد فتجانس هما غير خفي وههنا لطيفة: وهي أن الآدمي ينبغي أن يتقي الجن ويجتنبه والاجتماع به يفضي إلى المفسدة ولهذا قال تعالى: * (أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون) * فكيف طلب سليمان الاجتماع بهم فنقول قوله تعالى: * (من يعمل بين يديه بإذن ربه) * إشارة إلى أن ذلك الحضور لم يكن فيه مفسدة ولطيفة أخرى: وهي أن الله تعالى قال ههنا: * (بإذن ربه) * بلفظ الرب وقال: * (ومن يزغ منهم عن أمرنا) * ولم يقل عن أمر ربه، وذلك لأن الرب لفظ ينبئ عن الرحمة، فعندما كانت الإشارة إلى حفظ سليمان عليه السلام قال: * (ربه) * وعند ما كانت الإشارة إلى تعذيبهم قال: * (عن أمرنا) * بلفظ التعظيم الموجب لزيادة الخوف وقوله تعالى * (نذقه من عذاب السعير) * فيه وجهان أحدهما: أن الملائكة كانوا موكلين بهم وبأيديهم مقارع من نار فالإشارة إليه وثانيهما: أن السعير هو ما يكون في الآخرة فأوعدهم بما في الآخرة من العذاب.
ثم قال تعالى * (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات إعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) *.
المحاريب إشارة إلى الأبنية الرفيعة ولهذا قال تعالى: * (إذ تسوروا المحراب) * والتماثيل ما يكون فيها من النقوش، ثم لما ذكر البناء الذي هو المسكن بين ما يكون في المسكن من ماعون الأكل فقال: * (وجفان كالجواب) * جمع جابية وهي الحوض الكبير الذي يجبي الماء أي يجمعه وقيل كان يجتمع على جفنة واحدة ألف نفس * (وقدور راسيات) * ثابتات لا تنقل لكبرها، وإنما يغرف منها في تلك الجفان، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قدم المحاريب على التماثيل لأن النقوش تكون في الأبنية وقدم * (الجفان) * في الذكر على * (القدور) * مع أن القدور آلة الطبخ والجفان آلة الأكل والطبخ قبل الأكل، فنقول: لما بين الأبنية الملكية أراد بيان عظمة السماط الذي يمد في تلك الدور، وأشار إلى الجفان لأنها تكون فيه، وأما القدور فلا تكون فيه، ولا تحضر هناك، ولهذا قال: * (راسيات) * أي غير منقولات، ثم لما بين حال الجفان العظيمة، كان يقع في النفس أن الطعام الذي يكون فيها في أي شيء يطبخ، فأشار إلى القدور المناسبة للجفان.