النفس ذائقته بل يتعلق بغيره وذلك الغير إن كان غير الله فهو ذائق الموت ومورد الهلاك بقوله: * (كل نفس ذائقة الموت) * * (وكل شيء هالك إلا وجهه) * (القصص: 88) فإذا التعلق بالله يريح من الموت فقال تعالى * (فإياي فاعبدون) * أي تعلقوا بي، ولا تتبعوا النفس فإنها ذائقة الموت * (ثم إلينا ترجعون) * (العنكبوت: 57) أي إذا تعلقتم بي فموتكم رجوع إلي وليس بموت كما قال تعالى: * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء) * (آل عمران: 169) وقال عليه السلام: " المؤمنون لا يموتون بل ينقلون من دار إلى دار " فعلى هذا الوجه أيضا يتبين وجه التعليق.
قوله تعالى * (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها نعم أجر العاملين) *.
بين ما يكون للمؤمنين وقت الرجوع إليه كما بين من قبل ما يكون للكافرين بقوله: * (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) * (العنكبوت: 54) فبين أن للمؤمنين الجنان في مقابلة ما أن للكافرين النيران، وبين أن فيها غرفا تجري من تحتها الأنهار في مقابلة ما بين أن تحت الكافرين النار، وبين أن ذلك أجر عملهم بقوله تعالى: * (نعم أجر العاملين) * في مقابلة ما بين أن ما تقدم جزاء عمل الكفار بقوله تعالى: * (نعم أجر العاملين) * في مقابلة ما بين أن ما تقدم جزاء عمل الكفار بقوله: * (ذوقوا ما كنتم تعملون) * (العنكبوت: 55) ثم في الآيتين اختلافات فيها لطائف منها أنه تعالى ذكر في العذاب أن فوقهم عذابا أي نارا، ولم يذكر ههنا فوقهم شيئا، وإنما ذكر ما فوق من غير إضافة وهو الغرف، وذلك لأن المذكور في الموضعين العقاب والثواب الجسمانيان، لكن الكافر في الدرك الأسفل من النار، فيكون فوقه طبقات من النار، فأما المؤمنون فيكونون في أعلى عليين، فلم يذكر فوقهم شيئا إشارة إلى علو مرتبتهم وارتفاع منزلتهم.
وأما قوله تعالى: * (لهم غرف من فوقها غرف) * (الزمر: 20) لا ينافي لأن الغرف فوق الغرف لا فوقهم والنار فوق النار وهي فوقهم، ومنها أن هناك ذكر من تحت أرجلهم النار، وههنا ذكر من تحت غرفهم الماء، وذلك لأن النار لا تؤلم إذا كانت تحت مطلقا ما لم تكن في مسامتة الأقدام ومتصلة بها، أما إذا كان الشعلة مائلة عن سمت القدم وإن كانت تحتها، أو تكون مسامتة ولكن تكون غير ملاصقة بل تكون أسفل في وهدة لا تؤلم، وأما الماء إذا كان تحت الغرفة في أي وجه كان وعلى أي بعد كان يكون ملتذا به، فقال في النار من تحت أرجلهم ليحصل الألم بها، وقال ههنا من تحت الغرف لحصول اللذة به كيف كان، ومنها أن هناك قال ذوقوا الإيلام قلوبهم بلفظ الأمر وقال ههنا * (نعم أجر العاملين) * لتفريح قلوبهم لا بصيغة الأمر وذلك لأن لفظ الأمر يدل على انقطاع التعلق