فعليه الغرامة، ومن وفر فله الكرامة. ومنهم من قال هو قول لا إله إلا الله وهو بعيد فإن السماوات والأرض والجبال بألسنتها ناطقة بأن الله واحد لا إله إلا هو، ومنهم من قال الأعضاء فالعين أمانة ينبغي أن يحفظها والأذن كذلك واليد كذلك، والرجل والفرج واللسان، ومنهم من قال معرفة الله بما فيها والله أعلم.
المسألة الثانية: في العرض وجوه منهم من قال المراد العرض ومنهم من قال الحشر ومنهم من قال المقابلة أي قابلنا الأمانة على السماوات فرجحت الأمانة على أهل السماوات والأرض.
المسألة الثالثة: * (في السماوات والأرض) * وجهان أحدهما: أن المراد هي بأعيانها، والثاني: المراد أهلوها، ففيه إضمار تقديره: إنا عرضنا الأمانة على أهل السماوات والأرض.
المسألة الرابعة: قوله: * (فأبين أن يحملنها) * لم يكن إباؤهن كإباء إبليس في قوله تعالى: * (أبى أن يكون مع الساجدين) * (الحجر: 31) من وجهين أحدهما: أن هناك السجود كان فرضا، وههنا الأمانة كانت عرضا وثانيهما: أن الإباء كان هناك استكبارا وههنا استصغارا استصغرن أنفسهن، بدليل قوله: * (وأشفقن منها) *.
المسألة الخامسة: ما سبب الإشفاق؟ نقول الأمانة لا تقبل لوجوه أحدها: أن يكون عزيزا صعب الحفظ كالأواني من الجواهر التي تكون عزيزة سريعة الانكسار، فإن العاقل يمتنع عن قبولها ولو كانت من الذهب والفضة لقبلها ولو كانت من الزجاج لقبلها، في الأول لأمانه من هلاكها، وفي الثاني لكونها غير عزيزة الوجود والتكليف كذلك والثاني: أن يكون الوقت زمان شهب وغارة فلا يقبل العاقل في ذلك الوقت الودائع، والأمر كان كذلك لأن الشيطان وجنوده كانوا في قصد المكلفين إذ الغرض كان بعد خروج آدم من الجنة الثالث: مراعاة الأمانة والإتيان بما يجب كإيداع الحيوانات التي تحتاج إلى العلف والسقي وموضع مخصوص يكون برسمها، فإن العاقل يمتنع من قبولها بخلاف متاع يوضع في صندوق أو في زاوية بيت والتكليف كذلك فإنه يحتاج إلى تربية وتنمية.
المسألة السادسة: كيف حملها الإنسان ولم تحملها هذه الأشياء؟ فيه جوابان أحدهما: بسبب جهله بما فيها وعلمهن، ولهذا قال تعالى: * (إنه كان ظلوما جهولا) *. والثاني: أن الأشياء نظرت إلى أنفسهن فرأين ضعفهن فامتنعن، والإنسان نظر إلى جانب المكلف، وقال المودع عالم قادر لا يعرض الأمانة إلا على أهلها وإذا أودع لا يتركها بل يحفظها بعينه وعونه فقبلها، وقال: * (إياك نعبد وإياك نستعين) * (الفاتحة: 5). المسألة السابعة: قوله تعالى: * (إنه كان ظلوما جهولا) * فيه وجوه أحدها: أن المراد منه آدم ظلم نفسه بالمخالفة ولم يعلم ما يعاقب عليه من الإخراج من الجنة ثانيها: المراد الإنسان يظلم بالعصيان ويجهل ما عليه من العقاب ثالثها: إنه كان ظلوما جهولا، أي كان من شأنه الظلم والجهل