بكرا قال قولا حسنا يستطاب لما قد تكرر القول مرارا. وأما الحكمة فمن وجهين أحدهما: أن خلق الأرض ثقيل، والسماء في غير مكان قد يقع لجاهل أنه بالطبع، وبث الدواب يقع لبعضهم أنه باختيار الدابة، لأن لها اختيار، فنقول الأول طبيعي والآخر اختياري للحيوان، ولكن لا يشك أحد في أن الماء في الهواء من جهة فوق ليس طبعا فإن الماء لا يكون بطبعه فوق ولا اختيارا، إذ الماء لا اختيار له فهو بإرادة الله تعالى، فقال: * (وأنزلنا من السماء) * الثاني: هو أن إنزال الماء نعمة ظاهرة متكررة في كل زمان، متكثرة في كل مكان، فأسنده إلى نفسه صريحا ليتنبه الإنسان لشكر نعمته فيزيد له من رحمته، وقوله تعالى: * (فأنبتنا فيها من كل زوج) * أي من كل جنس، وكل جنس فتحته زوجان، لأن النبات إما أن يكون شجرا، وإما أن يكون غير شجر، والذي هو الشجر إما أن يكون مثمرا، وإما أن يكون غير مثمر، والمثمر كذلك ينقسم قسمين، وقوله تعالى: * (كريم) * أي ذي كرم، لأنه يأتي كثيرا من غير حساب أو مكرم مثل بغض للمبغض.
* (هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون فى ضلال مبين) *.
قوله تعالى: * (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) * يعني الله خالق وغيره ليس بخالق فكيف تتركون عبادة الخالق وتشتغلون بعبادة المخلوق. ثم قال تعالى: * (بل الظالمون في ضلال مبين) * أي بين أو مبين للعاقل أنه ضلال، وهذا لأن ترك الطريق والحيد عنه ضلال، ثم إن كان الحيد يمنة أو يسرة فهو لا يبعد عن الطريق المستقيم مثل ما يكون المقصد إلى وراء فإنه يكون غاية الضلال، فالمقصد هو الله تعالى، فمن يطلبه ويلتفت إلى غيره من الدنيا وغيرها فهو ضال، لكن من وجهه إلى الله قد يصل إلى المقصود ولكن بعد تعب وطول مدة، ومن يطلبه ولا يلتفت إلى ما سواه يكون كالذي على الطريق المستقيم يصل عن قريب من غير تعب. وأما الذي تولى لا يصل إلى المقصود أصلا، وإن دام في السفر، والمراد بالظالمين المشركون الواضعون لعبادتهم في غير موضعها أو الواضعون أنفسم في عبادة غير الله.
قوله تعالى * (ولقد ءاتينا لقمان الحكمة أن شكر الله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غنى حميد) *.
قوله تعالى: * (ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله) * لما بين الله فساد اعتقادهم بسبب عنادهم