قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى إلا على الله وهو على كل شىء شهيد * قل إن ربى يقذف بالحق علام الغيوب " 48 " يسعهم إنكار ذلك لعلمهم بعلو شأنه وحاله في قوة لسانه وبيانه فإذا ساعدوا على ذلك لزمتهم المسألة. ولهذا قال بعده * (إن هو إلا نذير) * يعني إما هو به جنة أو هو رسول لكن تبين أنه ليس به جنة فهو نذير.
(المسألة السادسة) قوله: * (بين يدي عذاب شديد) * إشارة إلى قرب العذاب كأنه قال ينذركم بعذاب حاضر يمسكم عن قريب بين يدي العذاب أي سوف يأتي العذاب بعده.
ثم قال تعالى (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شئ شهيد) لما ذكر أنه ما به جنة ليلزم منه كونه نبيا ذكر وجها آخر يلزم منه أنه نبي إذا لم يكن مجنونا لأن من يرتكب العناء الشديد لا لغرض عاجل إذا لم يكن ذلك فيه ثواب أخروي يكون مجنونا، فالنبي عليه السلام بدعواه النبوة يجعل نفسه عرضة للهلاك عاجلا، فإن كل أحد يقصده ويعاديه ولا يطلب أجرا في الدنيا فهو يفعله للآخرة، والكاذب في الآخرة معذب لا مثاب، فلو كان كاذبا لكان مجنونا لكنه ليس بمجنون فليس بكاذب، فهو نبي صادق وقوله: * (وهو على كل شيء شهيد) * تقرير آخر للرسالة وذلك لأن الرسالة لا تثبت إلا بالدعوى والبينة، بأن يدعي شخص النبوة ويظهر الله له المعجزة فهي بينة شاهدة والتصديق بالفعل يقوم مقام التصديق بالقول في إفادة العلم بدليل أن من قال لقوم إني مرسل من هذا الملك إليكم ألزمكم قبول قولي والملك حاضر ناظر، ثم قال للملك أيها الملك إن كنت أنا رسولك إليهم فقل لهم إني رسولك فإذا قال إنه رسولي إليكم لا يبقى فيه شك كذلك إذا قال يا أيها الملك إن كنت أنا رسولك إليهم فألبسني قباءك فلو ألبسه قباءه في عقب كلامه يجزم الناس بأنه رسوله، كذلك حال الرسول إذا قال الأنبياء لقومهم نحن رسل الله، ثم قالوا يا إلهنا إن كنا رسلك فأنطق هذه الحجارة أو أنشر هذا الميت ففعله حصل الجزم بأنه صدقه.
ثم قال تعالى: * (قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب) * وفيه وجهان أحدهما: يقذف بالحق في قلوب المحقين، وعلى هذا الوجه للآية بما قبلها تعلق، وذلك من حيث إن الله تعالى لما بين رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: * (إن هو إلا نذير لكم) * وأكده بقوله: * (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم) * وكان من عادة المشركين استبعاد تخصيص واحد من بينهم بإنزال الذكر عليه، كما قال تعالى عنهم: * (أأنزل عليه الذكر من بيننا) * ذكر ما يصلح جوابا لهم فقال: * (قل إن ربي يقذف بالحق) * أي في القلوب إشارة إلى أن الأمر بيده يفعل ما يريد ويعطي ما يشاء لمن يشاء.
ثم قال تعالى: * (علام الغيوب) * إشارة إلى جواب سؤال فاسد يذكر عليه وهو أن من يفعل شيئا