قوله تعالى * (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم * خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم) *.
لما بين حال من إذا تتلى عليه الآيات ولى، بين حال من يقبل على تلك الآيات ويقبلها وكما أن ذلك له مراتب من التولية والاستكبار، فهذا له مراتب من الإقبال والقبول والعمل به، فإن من سمع شيئا وقبله قد لا يعمل به فلا تكون درجته مثل من يسمع ويطيع ثم إن هذا له جنات النعيم ولذلك عذاب مهين وفيه لطائف: إحداها: توحيد العذاب وجمع الجنات إشارة إلى أن الرحمة واسعة أكثر من الغضب الثانية: تنكير العذاب وتعريف الجنة بالإضافة إلى المعرف إشارة إلى أن الرحيم يبين النعمة ويعرفها إيصالا للراحة إلى القلب، ولا يبين النقمة، وإنما ينبه عليها تنبيها الثالثة: قال عذاب، ولم يصرح بأنهم فيه خالدون، وإنما أشار إلى الخلود بقوله: * (مهين) * وصرح في الثواب بالخلود بقوله: * (خالدين فيها) *، الرابعة: أكد ذلك بقوله: * (وعد الله حقا) * ولم يذكره هناك الخامسة: قال هناك لغيره * (فبشره بعذاب) * وقال ههنا بنفسه * (وعد الله) *، ثم لم يقل أبشركم به لأن البشارة لا تكون إلا بأعظم ما يكون، لكن الجنة دون ما يكون للصالحين بشارة من الله، وإنما تكون بشارتهم منه برحمته ورضوانه كما قال تعالى: * (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم) * (التوبة: 21) ولولا قوله: * (منه) * لما عظمت البشارة، ولو كانت * (منه) * مقرونة بأمر دون الجنة لكان ذلك فوق الجنة من غير إضافة فإن قيل فقد بشر بنفس الجنة بقوله: * (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) * (فصلت: 30) نقول البشارة هناك لم تكن بالجنة وحدها، بل بها وبما ذكر بعدها إلى قوله تعالى: * (نزلا من غفور رحيم) * والنزل ما يهيأ عند النزول والإكرام العظيم بعده * (وهو العزيز الحكيم) * كامل القدرة يعذب المعرض ويثيب المقبل، كامل العلم يفعل الأفعال كما ينبغي، فلا يعذب من يؤمن ولا يثيب من يكفر.
قوله تعالى * (خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى فى الارض رواسى أن تميد بكم وبث فيها من كل دآبة وأنزلنا من السمآء مآء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم) *.
ثم قال تعالى: * (خلق السماوات بغير عمد ترونها) *.
بين عزته وحكمته بقوله: * (خلق السماوات بغير عمد) * اختلف قول العلماء في السماوات فمنهم من قال إنها مبسوطة كصفيحة مستوية، وهو قول أكثر المفسرين ومنهم من قال إنها مستديرة وهو قول جميع المهندسين، والغزالي رحمه الله قال نحن نوافقهم في ذلك فإن لهم عليها دليلا من المحسوسات ومخالفة الحس لا تجوز، وإن كان في الباب خبر نؤوله بما يحتمله، فضلا من أن ليس في القرآن والخبر ما يدل على ذلك صريحا، بل فيه ما يدل على الاستدارة كما قال تعالى: * (كل في فلك