وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما) *.
لما بين من حال النبي أنه داع إلى الله بقوله: * (وداعيا إلى الله) * قال ههنا لا تدخلوا إلا إذا دعيتم يعني كما أنكم ما دخلتم الدين إلا بدعائه فكذلك لا تدخلوا عليه إلا بعد دعائه وقوله: * (غير ناظرين) * منصوب على الحال. والعامل فيه على ما قاله الزمخشري لا تدخلوا قال وتقديره ولا تدخلوا بيوت النبي إلا مأذونين غير ناظرين، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (إلا أن يؤذن لكم إلى طعام) * إما أن يكون فيه تقديم وتأخير تقديره ولا تدخلوا إلى طعام إلا أن يؤذن لكم، فلا يكون منعا من الدخول في غير وقت الطعام بغير الإذن، وإما أن لا يكون فيه تقديم وتأخير فيكون معناه ولا تدخلوا إلا أن يؤذن لكم إلى طعام فيكون الإذن مشروطا بكونه إلى الطعام فإن لم يؤذن لكم إلى طعام فلا يجوز الدخول فلو أذن لواحد في الدخول لاستماع كلام لا لأكل طعام لا يجوز، نقول المراد هو الثاني ليعم النهي عن الدخول، وأما قوله فلا يجوز إلا بالإذن الذي إلى طعام، نقول: قال الزمخشري الخطاب مع قوم كانوا يجيئون حين الطعام ويدخلون من غير إذن فمنعوا من الدخول في وقته بغير إذن، والأولى أن يقال المراد هو الثاني لأن التقديم والتأخير خلاف الأصل وقوله: * (إلى طعام) * من باب التخصيص بالذكر فلا يدل على نفي ما عداه، لا سيما إذا علم أن غيره مثله فإن من جاز دخول بيته بإذنه إلى طعامه جاز دخوله إلى غير طعامه بإذنه، فإن غير الطعام ممكن وجوده مع الطعام، فإن من الجائز أن يتكلم معه وقتما يدعوه إلى طعام ويستقضيه في حوائجه ويعلمه مما عنده من العلوم مع زيادة الإطعام، فإذا رضي بالكل فرضاه بالبعض أقرب إلى الفعل فيصير من باب * (ولا تقل لهما أف) * (الإسراء: 23) وقوله: * (غير ناظرين) * يعني أنتم لا تنتظروا وقت الطعام فإنه ربما لا يتهيأ.
المسألة الثانية: قوله تعالى: * (ولكن إذا دعيتم فأدخلوا) * فيه لطيفة وهي أن العادة إذا قيل لمن كان يعتاد دخول دار من غير إذن لا تدخلها إلا بإذن يتأذى وينقطع بحيث لا يدخلها أصلا لا بالدعاء ولا بالدعاء، فقال لا تفعلوا مثل ما يفعله المستنكفون بل كونوا طائعين سامعين إذا قيل لكم لا تدخلوا لا تدخلوا وإذا قيل لكم ادخلوا فأدخلوا، وإناه قيل وقته وقيل استواؤه وقوله: * (إلا أن يؤذن) * يفيد الجواز وقوله: * (ولكن إذا دعيتم فأدخلوا) * يفيد الوجود فقوله: * (ولكن إذا دعيتم) * ليس تأكيدا بل هو يفيد فائدة جديدة.
المسألة الثالثة: لا يشترط في الإذن التصريح به، بل إذا حصل العلم بالرضا جاز الدخول ولهذا قال: * (إلا أن يؤذن) * من غير بيان فاعل، فالآذن إن كان الله أو النبي أو العقل المؤيد بالدليل