الثالث: هو أن اللهو قد يقصد به الإحماض كما ينقل عن ابن عباس أنه قال أحمضوا ونقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " روحوا القلوب ساعة فساعة " رواه الديلمي عن أنس مرفوعا ويشهد له ما في مسلم " يا حنظلة ساعة وساعة " والعوام يفهمون منه الأمر بما يجوز من المطايبة، والخواص يقولون هو أمر بالنظر إلى جانب الحق فإن الترويح به لا غير فلما لم يكن قصدهم إلا الإضلال لقوله: * (ليضل عن سبيل الله) * كان فعله أدخل في القبح.
ثم قال تعالى: * (بغير علم) * عائد إلى الشراء أي يشتري بغير علم ويتخذها أي يتخذ السبيل * (أولئك لهم عذاب مهين) * قوله: * (مهين) * إشارة إلى أمر يفهم منه الدوام، وذلك لأن الملك إذا أمر بتعذيب عبد من عبيده، فالجلاد إن علم أنه ممن يعود إلى خدمة الملك ولا يتركه الملك في الحبس يكرمه ويخفف من تعذيبه، وإن علم أنه لا يعود إلى ما كان عليه وأمره قد انقضى، فإنه لا يكرمه. فقوله: * (عذاب مهين) * إشارة إلى هذا وبه يفرق بين عذاب المؤمن وعذاب الكافر، فإن عذاب المؤمن ليطهر فهو غير مين.
قوله تعالى * (وإذا تتلى عليه ءاياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن فى أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم) *.
أي يشتري الحديث الباطل، والحق الصراح يأتيه مجانا يعرض عنه، وإذا نظرت فيه فهمت حسن هذا الكلام من حيث إن المشتري يطلب المشترى مع أنه يطلبه ببذل الثمن، ومن يأتيه الشيء لا يطلبه ولا يبذل شيئا، ثم إن الواجب أن يطلب العاقل الحكمة بأي شيء يجده ويشتريها، وهم ما كانوا يطلبونها، وإذا جاءتهم مجانا ما كانوا يسمعونها، ثم إن فيه أيضا مراتب الأولى: التولية عن الحكمة وهو قبيح والثاني: الاستكبار، ومن يشتري حكاية رستم وبهرام ويحتاج إليها كيف يكون مستغنيا عن الحكمة حتى يستكبر عنها؟ وإنما يستكبر الشخص عن الكلام وإذا كان يقول أنا أقول مثله، فمن لا يقدر يصنع مثل تلك الحكايات الباطلة كيف يستكبر على الحكمة البالغة التي من عند الله؟ الثالث: قوله تعالى: * (كأن لم يسمعها) * شغل المتكبر الذي لا يلتفت إلى الكلام ويجعل نفسه كأنها غافلة الرابع: قوله: * (كأن في أذنيه وقرا) * أدخل في الإعراض. ثم قال تعالى: * (فبشره بعذاب أليم) * أي له عذاب مهين بشره أنت به وأوعده، أو يقال إذا كان حاله هذا * (فبشره بعذاب أليم) *.