ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون " 40 " قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون " 41 " (المسألة الثالثة) قوله: * (خير الرازقين) * ينبئ عن كثرة في الرازقين ولا رازق إلا الله، فما الجواب عنه؟ فنقول عنه جوابان أحدهما: أن يقال الله خير الرازقين الذين تظنونهم رازقين وكذلك في قوله تعالى: وهو * (أحسن الخالقين) * وثانيهما: هو أن الصفات منها ما حصل لله وللعبد حقيقة، ومنها ما يقال لله بطريق الحقيقة وللعبد بطريق المجاز، ومنها ما يقال لله بطريق الحقيقة ولا يقال للعبد لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز لعدم حصوله للعبد لا حقيقة ولا صورة، مثال الأول العلم، فإن الله يعلم أنه واحد والعبد يعلم أنه واحد بطريق الحقيقة، وكذلك العلم بكون النار حارة، غاية ما في الباب أن علمه قديم وعلمنا حادث، مثال الثاني الرازق والخالق، فإن العبد إذا أعطى غيره شيئا فإن الله هو المعطي، ولكن لأجل صورة العطاء منه سمي معطيا، كما يقال للصورة المنقوشة على الحائط فرس وإنسان، مثال الثالث الأزلي والله وغيرهما، وقد يقال في أشياء في الإطلاق على العبد حقيقة وعلى الله مجازا كالاستواء والنزول والمعية ويد الله وجنب الله.
ثم قال تعالى: * (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون، قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون) * لما بين أن حال النبي صلى الله عليه وسلم كحال من تقدمه من الأنبياء، وحال قومه كحال من تقدم من الكفار، وبين بطلان استدلالهم بكثرة أموالهم وأولادهم، بين ما يكون من عاقبة حالهم فقال: * (ويوم يحشرهم جميعا) * يعني المكذبين بك وبمن تقدمك، ثم نقول لمن يدعون أنهم يعبدونهم وهم الملائكة، فإن غاية ما ترتقي إليه منزلتهم أنهم يقولون نحن نعبد الملائكة والكواكب، فيسأل الملائكة أهم كانوا يعبدون كم!
إهانة لهم، فيقول كل منهم سبحانك ننزهك عن أن يكون غيرك معبودا وأنت معبودنا ومعبود كل خلق، وقولهم: * (أنت ولينا من دونهم) * إشارة إلى معنى لطيف وهو أن مذاهب الناس مختلفة؛ بعضهم لا يسكن المواضع المعمورة التي يكون فيها سواد عظيم، لأنه لا يترأس هناك فيرضى لضياع والبلاد الصغيرة، وبعضهم لا يريد البلاد الصغيرة لعدم اجتماعه فيها بالناس وقلة وصوله فيها إلى الأكياس، ثم إن الفريقين جميعا إذا عرض عليهم خدمة السلطان واستخدام الأرذال الذين لا التفات إليهم أصلا يختار العاقل خدمة السلطان على استخدام من لا يؤبه به، ولو أن رجلا سكن جبلا ووضع بين يديه شيئا من القاذورات واجتمع عليه الذباب والديدان، وهو