وقوله تعالى: * (وبشر المؤمنين) * عطف على مفهوم تقديره إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا فاشهد وبشر ولم يذكر فاشهد للاستغناء عنه، وأما البشارة فإنها ذكرت إبانة للكرم ولأنها غير واجبة لولا الأمر. وقوله تعالى: * (بأن لهم من الله فضلا كبيرا) * هو مثل قوله: * (وأعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) * (الأحزاب: 35) فالعظيم والكبير متقاربان وكونه من الله كبير فكيف إذا كان مع ذلك كبارة أخرى.
وقوله * (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) *.
إشارة إلى الإنذار يعني خالفهم وورد عليهم وعلى هذا فقوله تعالى: * (ودع أذاهم) * أي دعه إلى الله فإنه يعذبهم بأيديكم وبالنار، ويبين هذا قوله تعالى: * (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) * أي الله كاف عبده، قال بعض المعتزلة لا يجوز تسمية الله بالوكيل لأن الوكيل أدون من الموكل وقوله تعالى: * (وكفى بالله وكيلا) * حجة عليه وشبهته واهية من حيث إن الوكيل قد يوكل للترفع وقد يوكل للعجز والله وكيل عباده لعجزهم عن التصرف، وقوله تعالى: * (وكفى بالله وكيلا) * يتبين إذا نظرت في الأمور التي لأجلها لا يكفي الوكيل الواحد منها أن لا يكون قويا قادرا على العمل كالملك الكثير الأشغال يحتاج إلى وكلاء لعجز الواحد عن القيام بجميع أشغاله، ومنها أن لا يكون عالما بما فيه التوكيل، ومنها أن لا يكون غنيا، والله تعالى عالم قادر وغير محتاج فيكفي وكيلا.
* (يا أيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) *.
وجه تعلق الآية بما قبلها هو أن الله تعالى في هذه السورة ذكر مكارم الأخلاق وأدب نبيه على ما ذكرناه، لكن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بما أمر به نبيه المرسل فكلما ذكر للنبي مكرمة وعلمه أدبا ذكر للمؤمنين ما يناسبه، فكما بدأ الله في تأديب النبي عليه الصلاة والسلام بذكر ما يتعلق بجانب الله بقوله: * (يا أيها النبي اتق الله) * (الأحزاب: 1) وثنى بما يتعلق بجانب من تحت يده من أزواجه بقوله بعد: * (يا أيها النبي قل لأزواجك) * (الأحزاب: 28) وثلث بما يتعلق بجانب العامة بقوله: * (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا) * (الأحزاب: 45)