آتيناهم الكتاب هم الذين سبقوا محمدا صلى الله عليه وسلم زمانا من أهل الكتاب، ومن هؤلاء الذين هم في زمان محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب وهذا أقرب، فإن قوله: * (هؤلاء) * صرفه إلى أهل الكتاب أولى، لأن الكلام فيهم ولا ذكر للمشركين ههنا، إذ كان هذا الكلام بعد الفراغ من ذكرهم والإعراض عنهم لإصرارهم على الكفر، وههنا وجه آخر أولى وأقرب إلى العقل والنقل، وأقرب إلى الأحسن من الجدال المأمور به، وهو أن نقول المراد بالذين آتيناهم الكتاب هم الأنبياء وبقوله: * (ومن هؤلاء) * أي من أهل الكتاب وهو أقرب، لأن الذين آتاهم الكتاب في الحقيقة هم الأنبياء، فإن الله ما آتي الكتاب إلا للأنبياء، كما قال تعالى: * (أولئك الذين آتيناهم الكتاب) * (الأنعام: 89) وقال: * (وآتينا داود زبورا) * (النساء: 163) وقال: * (وآتاني الكتاب) * (مريم: 30) وإذا حملنا الكلام على هذا لا يدخله التخصيص، لأن كل الأنبياء آمنوا بكل الأنبياء، وإذا قلنا بما قالوا به يكون المراد من الذين آتيناهم الكتاب عبد الله بن سلام واثنين أو ثلاثة معه أو عددا قليلا، ويكون المراد بقوله: * (ومن هؤلاء) * غير المذكورين، وعلى ما ذكرنا يكون مخرج الكلام كأنه قسم القوم قسمين أحدهما المشركين وتكلم فيهم وفرغ منهم والثاني أهل الكتاب وهو بعد في بيان أمرهم، والوقت وقت جريان ذكرهم، فإذا قال هؤلاء يكون منصرفا إلى أهل الكتاب الذين هم في وصفهم، وإذا قال أولئك يكون منصرفا إلى المشركين الذين سبق ذكرهم وتحقق أمرهم، وعلى هذا التفسير يكون الجدال على أحسن الوجوه، وذلك لأن الخلاف في الأنبياء والأئمة قريب من الخلاف في فضيلة الرؤساء والملوك، فإذا اختلف حزبان في فضيلة ملكين أو رئيسين، وأدى الاختلاف إلى الاقتتال يكون أقوى كلام يصلح بينهم أن يقال لهم هذان الملكان متوافقان متصادقان، فلا معنى لنزاعكم فكذلك ههنا قال النبي صلى الله عليه وسلم نحن آمنا بالأنبياء وهم آمنوا بي فلا معنى لتعصبكم لهم وكذلك أكابركم وعلماؤكم آمنوا، ثم قال تعالى: * (وما يجحد بآياتنا إلى الكافرون) * تنفيرا لهم عما هم عليه، يعني أنكم آمنتم بكل شيء، وامتزتم عن المشركين بكل فضيلة، إلا هذه المسألة الواحدة، وبإنكارها تلتحقون بهم وتبطلون مزاياكم، فإن الجاحد بآية يكون كافرا.
قوله تعالى * (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون * بل هو ءايات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد باياتنآ إلا الظالمون) *.