المؤمن وهو اليوم الآخر ولا كذلك في أوائل الإسلام.
قوله تعالى * (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا سآء ما يحكمون * من كان يرجو لقآء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم) *.
لما بين حسن التكليف بقوله: * (أحسب الناس أن يتركوا) * بين أن من كلف بشيء ولم يأت به يعذب وإن لم يعذب في الحال فسيعذب في الاستقبال ولا يفوت الله شيء في الحال ولا في المآل، وهذا إبطال مذهب من يقول التكاليف إرشادات والإيعاد عليه ترغيب وترهيب ولا يوجد من الله تعذيب ولو كان يعذب ما كان عاجزا عن العذاب عاجلا فلم كان يؤخر العقاب فقال تعالى: * (أم حسب الذين يعلمون السيئات أن يسبقونا) * يعني ليس كما قالوا بل يعذب من يعذب ويثيب من يثيب بحكم الوعد والإيعاد والله لا يخلف الميعاد، وأما الإمهال فلا يفضي إلى الإهمال والتعجيل في جزاء الأعمال شغل من يخاف الفوت لولا الاستعجال.
ثم قال تعالى: * (ساء ما يحكمون) * يعني حكمهم بأنهم يعصون ويخالفون أمر الله ولا يعاقبون حكم سئ فإن الحكم الحسن لا يكون إلا حكم العقل أو حكم الشرع والعقل لا يحكم على الله بذلك فإن الله له أن يفعل ما يريد والشرع حكمه بخلاف ما قالوه، فحكمهم حكم في غاية السوء والرداءة.
ثم قال: * (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم) *.
لما بين بقوله: أحسب الناس أن العبد لا يترك في الدنيا سدى، وبين في قوله: * (أم حسب الذين يعملون السيئات) * أن من ترك ما كلف به يعذب كذا بين أن يعترف بالآخرة ويعمل لها لا يضيع عمله ولا يخيب أمله، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: أنا ذكرنا في مواضع أن الأصول الثلاثة وهي الأول وهو الله تعالى ووحدانيته والأصل الآخر وهو اليوم الآخر والأصل المتوسط وهو النبي المرسل من الأول الموصل إلا الآخر لا يكاد ينفصل في الذكر الإلهي بعضها عن بعض، فقوله: * (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا) * (العنكبوت: 2) فيه إشارة إلى الأصل الأول يعني أظنوا أنه يكفي الأصل الأول وقوله * (وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم) * (العنكبوت: 2، 3) يعني بإرسال الرسل وإيضاح السبل فيه إشارة إلى الأصل الثاني وقوله: * (أم حسب الذين يعملون السيئات) * مع قوله: * (من كان يرجو لقاء الله) * فيه إشارة إلى الأصل الثالث وهو الآخر.
المسألة الثانية: ذكر بعض المفسرين في تفسير لقاء الله أنه الرؤية وهو ضعيف فإن اللقاء والملاقاة بمعنى وهو في اللغة بمعنى الوصول حتى أن جمادين إذا تواصلا فقد لاقى أحدهما الآخر.