المسألة الثالثة: قال تعالى هنا: * (ومن يشكر فإنما يشكره لنفسه ومن كفر) * بتقديم الشكر على الكفران، وقال في سورة الروم: * (ومن كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون) * (الروم: 44) فنقول هناك كان الذكر للترهيب لقوله تعالى من قبل: * (فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون) * (الروم: 43) وههنا الذكر للترغيب، لأن وعظ الأب للابن يكون بطريق اللطف والوعد، وقوله: * (ومن عمل صالحا) * يحقق ما ذكرنا أولا، لأن المذكور في سورة الروم لما كان بعد اليوم الذي لا مرد له تكون الأعمال قد سبقت فقال بلفظ الماضي ومن عمل، وههنا لما كان المذكور في الابتداء قال * (ومن يشكر) * بلفظ المستقبل وقوله: * (ومن كفر فإن الله غني) * عن حمد الحامدين، حميد في ذاته من غير حمدهم، وإنما الحامد ترتفع مرتبته بكونه حامدا لله تعالى.
* (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) *.
عطف على معنى ما سبق وتقديره آتينا لقمان الحكمة حين جعلناه شاكرا في نفسه وحين جعلناه واعظا لغيره وهذا لأن علو مرتبة الإنسان بأن يكون كاملا في نفسه ومكملا لغيره فقوله: * (أن أشكر) * إشارة إلى الكمال وقوله: * (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه) * إشارة إلى التكميل، وفي هذا لطيفة وهي أن الله ذكر لقمان وشكر سعيه حيث أرشد ابنه ليعلم منه فضيلة النبي عليه السلام الذي أرشد الأجانب والأقارب فإن إرشاد الولد أمر معاد، وأما تحمل المشقة في تعليم الأباعد فلا، ثم إنه في الوعظ بدأ بالأهم وهو المنع من الإشراك وقال: * (إن الشرك لظلم عظيم) * أما أنه ظلم فلأنه وضع للنفس الشريف المكرم بقوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * (الإسراء: 70) في عبادة الخسيس أو لأنه وضع العبادة في غير موضعها وهي غير وجه الله وسبيله، وأما أنه عظيم فلأنه وضع في موضع ليس موضعه، ولا يجوز أن يكون موضعه، وهذا لأن من يأخذ مال زيد ويعطي عمرا يكون ظلما من حيث إنه وضع مال زيد في يد عمرو، ولكن جائز أن يكون ذلك ملك عمرو أو يصير ملكه ببيع سابق أو بتمليك لاحق، وأما الإشراك فوضع المعبودية في غير الله تعالى ولا يجوز أن يكون غيره معبودا أصلا.
* (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله فى عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير) *.
لما منعه من العبادة لغير الله والخدمة قريبة منها في الصورة بين أنها غير ممتنعة، بل هي واجبة