قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين * وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا كفرهم كان لمانع لا لعدم المقتضى لأنهم لا يمكنهم أن يقولوا ما جاءنا رسول، ولا أن يقولوا قصر الرسول، وهذا إشارة إلى إتيان الرسول بما عليه لأن الرسول لو أهمل شيئا لما كانوا يؤمنون ولولا المستكبرون لآمنوا.
ثم قال تعالى: * (وقال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين) *.
ردا لما قالوا إن كفرنا كان لمانع * (أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين) * يعني المانع ينبغي أن يكون راجحا على المقتضى حتى يعمل عمله، والذي جاء به هو الهدى، والذي صدر من المستكبرين لم يكن شيئا يوجب الامتناع من قبول ما جاء به فلم يصح تعليل كم بالمانع، ثم بين أن كفرهم كان إجراما من حيث إن المعذور لا يكون معذورا إلا لعدم المقتضى أو لقيام المانع ولم يوجد شيء منهما.
ثم قال تعالى: * (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا) *.
لما ذكر المستكبرون أنا ما صددناكم وما صدر منا يصلح مانعا وصارفا اعترف المستضعفون به وقالوا: * (بل مكر الليل والنهار) * منعنا، ثم قالوا لهم إنكم إن كنتم ما أتيتم بالصارف القطعي والمانع القوي ولكن انضم أمركم إيانا بالكفر إلى طول الأمد والامتداد في المدد فكفرنا فكان قولكم جزء السبب، ويحتمل وجها آخر وهو أن يكون المراد بل مكركم بالليل والنهار فحذف المضاف إليه. وقوله: * (إذ تأمروننا أن نكفر بالله) * أي ننكره * (ونجعل له أندادا) * هذا يبين أن المشرك بالله مع أنه في الصورة مثبت لكنه في الحقيقة منكر لوجود الله لأن من يساويه المخلوق المنحوت لا يكون إلها، وقوله في الأول: * (يرجع بعضهم إلى بعض القول) * يقول الذين استضعفوا بلفظ المستقبل، وقوله في الآيتين المتأخرتين * (وقال الذي استكبروا، وقال الذي استضعفوا) * بصيغة الماضي مع أن السؤال والتراجع في القول لم يقع إشارة إلى أن ذلك لا بد وأن يقع، فإن الأمر الواجب الوقوع يوجد كأنه وقع، ألا ترى إلى قوله تعالى: * (إنك ميت وإنهم ميتون) *.