وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الاغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون " 33 " وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون * وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين * قل إن ربى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون " 36 " ثم قال تعالى: * (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) *.
معناه أنهم يتراجعون القول في الأول، ثم إذا جاءهم العذاب الشاغل يسرون ذلك التراجع الدال على الندامة، وقيل معنى الإسرار الإظهار أي أظهروا الندامة، ويحتمل أن يقال بأنهم لما تراجعوا في القول رجعوا إلى الله بقولهم: * (ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا) * ثم أجيبوا وأخبروا بأن لا مرد لكم فأسروا ذلك القول، وقوله: * (وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا) * إشارة إلى كيفية العذاب وإلى أن مجرد الرؤية ليس كافيا بل لما رأوا العذاب قطعوا بأنهم واقعون فيه فتركوا الندم ووقعوا فيه فجعل الأغلال في أعناقهم، وقوله: * (يجزون إلا ما كانوا يعملون) * إشارة إلى أن ذلك حقهم عدلا.
ثم قال تعالى (وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون، وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين).
تسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم وبيانا لأن إيذاء الكفار الأنبياء الأخيار ليس بدعا، بل ذلك عادة جرت من قبل وإنما نسب القول إلى المترفين مع أن غيرهم أيضا قالوا: * (إنا بما أرسلتم به كافرون) * لأن الأغنياء المترفين هم الأصل في ذلك القول، ألا ترى أن الله قال عن الذين استضعفوا إنهم قالوا للمستكبرين لولا أنتم لكانوا مؤمنين، ثم استدلوا على كونهم مصيبين في ذلك بكثرة الأموال والأولاد فقالوا: * (نحن أكثر أموالا وأولادا) * أي بسبب لزومنا لديننا، وقوله * (وما نحن بمعذبين) * أي في الآخرة كأنهم قالوا حالنا عاجلا خير من حالكم، وأما آجلا فلا نعذب إما إنكارا منهم للعذاب رأسا أو اعتقادا لحسن حالهم في الآخرة أيضا قياسا (على حسن حالهم في الدنيا).
ثم إن الله تعالى بين خطأهم بقوله: * (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *.