ثم قال تعالى: * (وأعد لهم أجرا كريما) * لو قائل قائل الإعداد إنما يكون ممن لا يقدر عند الحاجة إلى الشيء عليه، وأما الله تعالى فلا حاجة ولا عجز فحيث يلقاه الله يؤتيه ما يرضى به وزيادة فما معنى الاعداد من قبل فنقول الإعداد للإكرام لا للحاجة وهذا كما أن الملك إذا قيل له فلان واصل، فإذا أراد إكرامه يهيئ له بيتا وأنواعا من الإكرام ولا يقول بأنه إذا وصل نفتح باب الخزانة ونؤتيه ما يرضيه فكذلك الله لكمال الإكرام أعد للذاكر أجرا كريما والكريم قد ذكرناه في الرزق أي أعد له أجرا يأتيه من غير طلبه بخلاف الدنيا فإنه يطلب الرزق ألف مرة ولا يأتيه إلا بقدر. وقوله: * (تحيتهم يوم يلقونه سلام) * مناسب لحالهم لأنهم لما ذكروا الله في دنياهم حصل لهم معرفة ولما سبحوه تأكدت المعرفة حيث عرفوه كما ينبغي بصفات الجلال ونعوت الكمال والله يعلم حالهم في الدنيا فأحسن إليهم بالرحمة، كما قال تعالى: * (هو الذي يصلى عليكم) * وقال: * (وكان بالمؤمنين رحيما) * (الأحزاب: 43) والمتعارفان إذا التقيا وكان أحدهما شفيقا بالآخر والآخر معظما له غاية التعظيم لا يتحقق بينهما إلا السلام وأنواع الإكرام.
* (يا أيها النبى إنآ أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) *.
قد ذكرنا أن السورة فيها تأديب للنبي عليه السلام من ربه فقوله في ابتدائها: * (يا أيها النبي اتق الله) * إشارة إلى ما ينبغي أن يكون عليه مع ربه وقوله: * (يا أيها النبي قل لأزواجك) * إشارة إلى ما ينبغي أن يكون عليه مع أهله وقوله: * (يا أيها النبي إنا أرسلناك) * إشارة إلى ما ينبغي أن يكون عليه مع عامة الخلق وقوله تعالى: * (شاهدا) * يحتمل وجوها أحدهما: أنه شاهد على الخلق يوم القيامة كما قال تعالى: * (ويكون الرسول عليكم شهيدا) * (البقر: 143) وعلى هذا فالنبي بعث شاهدا أي متحملا للشهادة ويكون في الآخرة شهيدا أي مؤديا لما تحمله ثانيها: أنه شاهد أن لا إله إلا الله، وعلى هذا لطيفة وهو أن الله جعل النبي شاهدا على الوحدانية والشاهد لا يكون مدعيا فالله تعالى لم يجعل النبي في مسئلة الوحدانية مدعيا لها لأن المدعى من يقول شيئا على خلاف الظاهر والوحدانية أظهر من الشمس والنبي عليه السلام كان ادعى النبوة فجعل الله نفسه شاهدا له في مجازاة كونه شاهدا لله فقال تعالى: * (والله يعلم إنك لرسوله) * (المنافقون: 1) وثالثها: أنه شاهد في الدنيا بأحوال الآخرة من الجنة والنار والميزان والصراط وشاهد في الآخرة بأحوال الدنيا بالطاعة والمعصية والصلاح والفساد وقوله: * (ومبشرا ونذيرا وداعيا) * فيه ترتيب حسن وذلك من حيث إن النبي عليه السلام أرسل شاهدا بقوله لا إله إلا الله ويرغب في ذلك بالبشارة فإن لم يكف