آلافا من الفراسخ، ثم لم يجعل لهما حركة واحدة بل حركات، إحداها حركتها من المشرق إلى المغرب في كل يوم وليلة مرة، والأخرى حركتها من المغرب إلى المشرق، والدليل عليها أن الهلال يرى في جانب الغرب على بعد مخصوص من الشمس، ثم يبعد منه إلى جانب الشرق حتى يرى القمر في نصف الشهر في مقابلة الشمس، والشمس على أفق المغرب، والقمر على أفق المشرق، وحركة أخرى حركة الأوج وحركة المائل والتدوير في القمر، ولولا الحركة التي من المغرب إلى المشرق لما حصلت الفصول، ثم اعلم أن أصحاب الهيئة قالوا الشمس في الفلك مركوزة والفلك يديرها بدورانه وأنكره المفسرون الظاهريون، ونحن نقول لا بعد في ذلك إن لم يقولوا بالطبيعة، فإن الله تعالى فاعل مختار إن أراد أن يحركهما في الفلك والفلك ساكن يجوز، وإن أراد أن يحركهما بحركة الفلك وهما ساكنان يجوز ولم يرد فيه نص قاطع أو ظاهر، وسنذكر تمام البحث في قوله تعالى: * (وكل في فلك يسبحون) * الثالثة: ذكر أمرين أحدهما خلق السماوات والأرض والآخر تسخير الشمس والقمر، لأن الإيجاد قد يكون للذوات وقد يكون للصفات، فخلق السماوات والأرض إشارة إلى إيجاد الذوات، وتسخير الشمس والقمر إشارة إلى إيجاد الصفات وهي الحركة وغيرها، فكأنه ذكر من القبيلين مثالين، ثم قال تعالى: * (فأنى يؤفكون) * يعني هم يعتقدون هذا فكيف يصرفون عن عبادة الله، مع أن من علمت عظمته وجبت خدمته، ولا عظمة فوق عظمة خالق السماوات والأرض، ولا حقارة فوق حقارة الجماد، لأن الجماد دون الحيوان، والحيوان دون الإنسان، والإنسان دون سكان السماوات فكيف يتركون عبادة أعظم الوجودات ويشتغلون بعبادات أخس الموجودات.
* (الله يبسط الرزق لمن يشآء من عباده ويقدر له إن الله بكل شىء عليم) *.
قوله تعالى: * (الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده) * لما بين الخلق ذكر الرزق لأن كمال الخلق ببقائه وبقاء الإنسان بالرزق، فقال المعبود إما أن يعبد لاستحقاقه العبادة، وهذه الأصنام ليست كذلك والله مستحقها، وإما لكونه على الشأن والله الذي خلق السماوات على الشأن جلي البرهان فله العبادة، وإما لكونه ولي الإحسان والله يرزق الخلق فله الطول والإحسان والفضل والامتنان فله العبادة من هذا الوجه أيضا قوله: * (لمن يشاء) * إشارة إلى كمال الإحسان، وذلك لأن الملك إذا أمر الخازن بإعطاء شخص شيئا، فإذا أعطاه يكون له منة ما يسيرة حقيرة، لأن الآخذ يقول هذا ليس بإرادته وإنما هو بأمر الملك، وأما إن كان مختارا بأن قال له الملك إن شئت فأعطه وإن شئت فلا تعطه، فإن أعطاه يكون له منة جليلة لا قليلة، فقال الله تعالى الرزق منه وبمشيئته فهو إحسان تام يستوجب شكرا تاما وقوله تعالى: * (ويقدر له) * أي يضيق له إن أراد، ثم قال تعالى: