قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحى إلى ربي إنه سميع قريب * وقالوا آمنا به وأنى الهم التناوش من مكان بعيد " 51 " فأبطله ودمغه، فقال ههنا ليس للباطل تحقق أولا وآخرا، وإنما المراد من قوله: * (فيدمغه) * أي فيظهر بطلانه الذي لم يزل كذلك وإليه الإشارة بقوله تعالى في موضع آخر: * (وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) * يعني ليس أمرا متجددا زهوق الباطل، فقوله: * (وما يبدئ الباطل) * أي لا يثبت في الأول شيئا خلاف الحق * (ولا يعيد) * أي لا يعيد في الآخرة شيئا خلاف الحق.
ثم قال تعالى (قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحى إلى ربي إنه سميع قريب).
هذا فيه تقرير الرسالة أيضا وذلك لأن الله تعالى قال على سبيل العموم: * (من اهتدى فلنفسه) * وقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم: * (وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي) * يعني ضلالي على نفسي كضلالكم، وأما اهتدائي فليس بالنظر والاستدلال كاهتداء كم، وإنما هو بالوحي المبين، وقوله:
* (إنه سميع) * أي يسمع إذا ناديته واستعديت به عليكم قريب يأتيكم من غير تأخير، ليس يسمع عن بعد ولا يلحق الداعي.
ثم قال تعالى (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب).
لما قال: * (سميع) * قال هو قريب فإن لم يعذب عاجلا ولا يعين صاحب الحق في الحال فيوم الفزع آت لا فوت، وإنما يستعجل من يخاف الفوت. وقوله: * (ولو ترى) * جوابه محذوف أي ترى عجبا * (وأخذوا من مكان قريب) * لا يهربون وإنما الأخذ قبل تمكنهم من الهرب.
ثم قال تعالى (وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد).
أي بعد ظهور الأمر حيث لا ينفع إيمان، قالوا آمنا * (وأنى لهم التناوش) * أي كيف يقدرون على الظفر بالمطلوب وذلك لا يكون إلا في الدنيا وهم في الآخرة والدنيا من الآخرة بعيدة، فإن قيل فكيف قال كثير من المواضع إن الآخرة من الدنيا قريبة، ولهذا سماها الله الساعة وقال: * (لعل الساعة قريب) * نقول الماضي كالأمس الدابر بعدما يكون إذ لا وصول إليه، والمستقبل وإن كان بينه وبين الحاضر سنين فإنه آت، فيوم القيامة الدنيا بعيدة لمضي ها وفي الدنيا يوم القيامة قريب لإتيانه والتناوش هو التناول عن قرب. وقيل عن بعد، ولما جعل الله الفعل مأخوذا كالجسم جعل ظرف الفعل وهو الزمان كظرف الجسم وهو المكان فقال: * (من مكان بعيد) * والمراد ما مضى من الدنيا.
ثم بين الله تعالى أن إيمانهم لا نفع فيه بسبب أنهم كفروا به من قبل، والإشارة في قوله