وفى الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (فذوقوا بما نسيتم لقاء) * لقاء يحتمل أن يكون منصوبا بذوقوا، أي ذوقوا لقاء يومكم بما نسيتم، وعلى هذا يحتمل أن يكون المنسي هو الميثاق الذي أخذ منهم بقوله: * (ألست بربكم قالوا بلى) * (الأعراف: 172) أو بما في الفطرة من الوحدانية فينسى بالإقبال على الدنيا والاشتغال بها ويحتمل أن يكون منصوبا بقوله: * (نسيتم) * أي بما نسيتم لقاء هذا اليوم ذوقوا، وعلى هذا لو قال قائل النسيان لا يكون إلا في المعلوم أولا إذا جهل آخرا نقول لما ظهرت براهينه فكأنه ظهر وعلم، ولما تركوه بعد الظهور ذكر بلفظ النسيان إشارة إلى كونهم منكرين لأمر ظاهر كمن ينكر أمرا كان قد علمه.
المسألة الثانية: قوله تعالى هذا يحتمل ثلاثة أوجه أحدها: أن يكون إشارة إلى اليوم، أي فذوقوا بما نسيتم لقاء هذا اليوم وثانيها: أن يكون إشارة إلى لقاء اليوم، أي فذوقوا بما نسيتم هذا اللقاء وثالثها: أن يكون إشارة إلى العذاب، أي فذوقوا هذا العذاب بما نسيتم لقاء يومكم، ثم قال إنا نسيناكم، أي تركناكم بالكلية غير ملتفت إليكم كما يفعله الناسي قطعا لرجائكم، ثم ذكر ما يلزم من تركه إياهم كما يترك الناسي وهو خلود العذاب، لأن من لا يخلصه الله فلا خلاص له، فقال: * (وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون) *.
قوله تعالى * (إنما يؤمن باياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون) *.
إشارة إلى أن الإيمان بالآيات كالحاصل، وإنما ينساه البعض فإذا ذكر بها خر ساجدا له، يعني انقادت أعضاؤه له، وسبح بحمده، يعني ويحرك لسانه بتنزيهه عن الشرك، وهم لا يستكبرون، يعني وكان قلبه خاشعا لا يتكبر ومن لا يستكبر عن عبادته فهو المؤمن حقا.
ثم قال تعالى * (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) *.
يعني بالليل قليلا ما يهجعون وقوله: * (يدعون ربهم) * أي يصلون، فإن الدعاء والصلاة من باب واحد في المعنى أو يطلبونه وهذا لا ينافي الأول لأن الطلب قد يكون بالصلاة، والحمل على الأول أولى