من نذير من قبلك) * (القصص: 46) ولما أعاد ذكر الرسالة أعاد ذكر التوحيد، فقال تعالى: * (أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم) * وقوله: * (يمشون في مساكنهم) * زيادة إبانة، أي مساكن المهلكين دالة على حالهم وأنتم تمشون فيها وتبصرونها، وقوله تعالى: * (إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون) * اعتبر فيه السمع، لأنهم ما كان لهم قوة الإدراك بأنفسهم والاستنباط بعقولهم، فقال أفلا يسمعون، يعني ليس لهم درجة المتعلم الذي يسمع الشيء ويفهمه.
ثم قال تعالى * (أو لم يروا أنا نسوق المآء إلى الارض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون * ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين) *.
قوله تعالى: * (أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز) * لما بين الإهلاك وهو الإماتة بين الإحياء ليكون إشارة إلى أن الضر والنفع بيد الله، والجرز الأرض اليابسة التي لا نبات فيها والجرز هو القطع وكأنها المقطوع عنها الماء والنبات. ثم قال تعالى: * (فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم) * قدم الأنعام على الأنفس في الأكل لوجوه أحدها: أن الزرع أول ما ينبت يصلح للدواب ولا يصلح للإنسان والثاني: وهو أن الزرع غذاء الدواب وهو لا بد منه. وأما غذاء الإنسان فقد يحصل من الحيوان، فكأن الحيوان يأكل الزرع، ثم الإنسان يأكل من الحيوان الثالث: إشارة إلى أن الأكل من ذوات الدواب والإنسان يأكل بحيوانيته أو بما فيه من القوة العقلية فكماله بالعبادة. ثم قال تعالى: * (أفلا يبصرون) * لأن الأمر يرى بخلاف حال الماضين، فإنها كانت مسموعة، ثم لما بين الرسالة والتوحيد بين الحشر بقوله تعالى: * (ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين) * إلى آخر السورة، فصار ترتيب آخر السورة كترتيب أولها حيث ذكر الرسالة في أولها بقوله: * (لتنذر قوما) * (القصص: 46) وفي آخرها بقوله: * (ولقد آتينا موسى الكتاب) * (البقرة: 87) وذكر التوحيد بقوله: * (الذي خلق السماوات والأرض) * وقوله: * (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين) * وفي آخر السورة ذكره بقوله: * (أو لم يهد لهم) * وقوله: * (أو لم يروا أنا نسوق) * وذكر الحشر في أولها بقوله: * (وقالوا أئذا ضللنا في الأرض) * (السجدة: 10) وفي آخرها بقوله: * (ويقولون متى هذا الفتح) *.