ثم قال تعالى * (يا نسآء النبى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا) *.
لما خيرهن النبي صلى الله عليه وسلم واخترن الله ورسوله أدبهن الله وهددهن للتوقي عما يسوء النبي عليه السلام ويقبح بهن من الفاحشة التي هي أصعب على الزوج من كل ما تأتي به زوجته وأوعدهن بتضعيف العذاب وفيه حكمتان إحداهما: أن زوجة الغير تعذب على الزنا بسبب ما في الزنا من المفاسد وزوجة النبي تعذب إن أتت به لذلك ولإيذاء قلبه والإزراء بمنصبه، وعلى هذا بنات النبي عليه السلام كذلك ولأن امرأة لو كانت تحت النبي صلى الله عليه وسلم وأتت بفاحشة تكون قد اختارت غير النبي عليه السلام، ويكون ذلك الغير خيرا عندها من النبي وأولى، والنبي أولى من النفس التي هي أولى من الغير، فقد نزلت منصب النبي مرتبتين فتعذب من العذاب ضعفين ثانيتهما: أن هذا إشارة إلى شرفهن، لأن الحرة عذابها ضعف عذاب الأمة إظهارا لشرفها، ونسبة النبي إلى غيره من الرجال نسبة السادات إلى العبيد لكونه أولى بهم من أنفسهم، فكذلك زوجاته وقرائبه اللاتي هن أمهات المؤمنين، وأم الشخص امرأة حاكمة عليه واجبة الطاعة، وزوجته مأمورة محكومة له وتحت طاعته، فصارت زوجة الغير بالنسبة إلى زوجة النبي عليه السلام كالأمة بالنسبة إلى الحرة، واعلم أن قول القائل من يفعل ذلك في قوة قوله: * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * (الزمر: 65) من حيث إن ذلك ممكن الوقوع في أول النظر، ولا يقع في بعض الصور جزما وفي بعض يقع جزما من مات فقد استراح، وفي البعض يتردد السامع في الأمرين، فقوله تعالى: * (من يأت منكن بفاحشة) * عندنا من القبيل الأول، فإن الأنبياء صان الله زوجاتهم عن الفاحشة، وقوله تعالى: * (وكان ذلك على الله يسيرا) * أي ليس كونكن تحت النبي عليه السلام وكونكن شريفات جليلات مما يدفع العذاب عنكن، وليس أمر الله كأمر الخلق حيث يتعذر عليهم تعذيب الأعزة بسبب كثرة أوليائهم وأعوانهم أو شفعائهم وإخوانهم.
ثم قال تعالى * (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتهآ أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما) *.
قوله تعالى: * (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا) * بيانا لزيادة ثوابهن، كما بين