لهي الحيوان) * فنقول لما كان الحال هناك حال إظهار الحسرة ما كان المكلف يحتاج إلى رادع قوي فقال الآخرة خير، ولما كان ههنا الحال حال الاشتغال بالدنيا احتاج إلى رادع قوي فقال لا حياة إلا حياة الآخرة، وهذا كما أن العاقل إذا عرض عليه شيئان فقال في أحدهما هذا خير من ذلك يكون هذا ترجيحا فحسب، ولو قال هذا جيد وهذا الآخر ليس بشيء يكون ترجيحا مع المبالغة فكذلك ههنا بالغ لكون المكلف متوغلا فيها.
المسألة الخامسة: قال هناك: * (خير للذين يتقون) * (الأعراف: 169) ولم يقل ههنا إلا لهي الحيوان، لأن الآخرة خير للمتقي فحسب أي المتقي عن الشرك، وأما الكافر فالدنيا جنته فهي خير له من الآخرة، وأما كون الآخرة باقية فيها الحياة الدائمة فلا يختص بقوم دون قوم.
المسألة السادسة: كيف أطلق الحيوان على الدار الآخرة مع أن الحيوان نام مدرك؟ فنقول الحيوان مصدر حي كالحياة لكن فيها مبالغة ليست في الحياة والمراد بالدار الآخرة هي الحياة الثانية، فكأنه قال الحياة الثانية هي الحياة المعتبرة أو نقول لما كانت الآخرة فيها الزيادة والنمو كما قال تعالى: * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * (يونس: 26) وكانت هي محل الإدراك التام الحق كما قال تعالى: * (يوم تبلى السرائر) * (الطارق: 9) أطلق عليها الاسم المستعمل في النامي المدرك.
المسألة السابعة: قال في سورة الأنعام: * (أفلا تعقلون) * (البقرة: 76) وقال ههنا: * (لو كانوا يعلمون) * وذلك لأن المثبت هناك كون الآخرة خيرا وأنه ظاهر لا يتوقف إلا على العقل والمثبت ههنا أن لا حياة إلا حياة الآخرة، وهذا دقيق لا يعرف إلا بعلم نافع.
* (فإذا ركبوا فى الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) *.
إشارة إلى أن المانع من التوحيد هو الحياة الدنيا، وبيان ذلك هو أنهم إذا انقطع رجاؤهم عن الدنيا رجعوا إلى الفطرة الشاهدة بالتوحيد ووحدوا وأخلصوا، فإذا أنجاهم وأرجأهم عادوا إلى ما كانوا عليه من حب الدنيا وأشركوا.
* (ليكفروا بمآ ءاتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون) *.
ثم قال تعالى: * (ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون) * وفيه وجهان أحدهما: أن اللام لام كي، أي يشركون ليكون إشراكهم كفرا بنعمة الإنجاء، وليتمتعوا بسبب الشرك فسوف يعلمون بوبال عملهم حين زوال أملهم والثاني:: أن تكون اللام لام الأمر ويكون المعنى ليكفروا على التهديد. كما قال تعالى: * (اعملوا ما شئتم) * (فصلت: 40) وكما قال: * (اعملوا على مكانتكم إني عامل