منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون فإن الله فطر الناس عليه حيث أخذهم من ظهر آدم وسألهم * (ألست بربكم) * (الأعراف: 172) فقالوا: بلى، وقوله تعالى: * (لا تبديل لخلق الله) * فيه وجوه، قال بعض المفسرين هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن حيث لم يؤمن قومه فقال هم خلقوا للشقاوة ومن كتب شقيا لا يسعد، وقيل: * (لا تبديل لخلق الله) * أي الوحدانية مترسخة فيهم لا تغير لها حتى إن سألتهم من خلق السماوات والأرض يقولون الله، لكن الإيمان الفطري غير كاف. ويحتمل أن يقال خلق الله الخلق لعبادته وهم كلهم عبيده لا تبديل لخلق الله أي ليس كونهم عبيدا مثل كون المملوك عبدا لإنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره ويخرج عن ملكه بالعتق بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودية، وهذا لبيان فساد قول من يقول العبادة لتحصيل الكمال والعبد يكمل بالعبادة فلا يبقى عليه تكليف، وقول المشركين: إن الناقص لا يصلح لعبادة الله، وإنما الإنسان عبد الكواكب والكواكب عبيد الله، وقول النصارى إن عيسى كان يحل الله فيه وصار إلها فقال: * (لا تبديل لخلق الله) * بل كلهم عبيد لا خروج لهم عن ذلك.
ثم قال تعالى: * (ذلك الدين القيم) * الذي لا عوج فيه * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * أن ذلك هو الدين المستقيم.
* (منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلوة ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) *.
لما قال حنيفا أي مائلا عن غيره قال: * (منيبين إليه) * أي مقبلين عليه، والخطاب في قوله: * (فأقم وجهك) * مع النبي والمراد جميع المؤمنين، وقوله: * (واتقوه) * يعني إذا أقبلتم عليه وتركتم الدنيا فلا تأمنوا فتتركوا عبادته بل خافوه وداوموا على العبادة وأقيموا الصلاة أي كونوا عابدين عند حصول القربة كما قلتم قبل ذلك، ثم إنه تعالى قال: * (ولا تكونوا من المشركين) * قال المفسرون يعني ولا تشركوا بعد الإيمان أي ولا تقصدوا بذلك غير الله، وههنا وجه آخر وهو أن الله بقوله: * (منيبين) * أثبت التوحيد الذي هو مخرج عن الإشراك الظاهر وبقوله: * (ولا تكونوا من المشركين) * أراد إخراج العبد عن الشرك الخفي أي لا تقصدوا بعملكم إلا وجه الله ولا تطلبوا به إلا رضاء الله فإن الدنيا والآخرة تحصيل وإن لم تطلبوها إذا حصل رضا الله وعلى هذا فقوله: * (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) * يعني لم يجتمعوا على الإسلام، وذهب كل أحد إلى مذهب، ويحتمل أن يقال وكانوا شيعا يعني بعضهم عبد الله للدنيا وبعضهم للجنة وبعضهم