ثم قال تعالى: * (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) * إشارة إلى التخويف، وذلك لأن قول القائل الله يعلم متى يكون الأمر الفلاني ينبئ عن إبطاء الأمر، ألا ترى أن من يطالب مديونا بحقه فإن استمهله شهرا أو شهرين ربما يصبر ذلك، وإن قال له اصبر إلى أن يقدم فلان من سفره يقول الله يعلم متى يجئ فلان، ويمكن أن يكون مجئ فلان قبل انقضاء تلك المدة فقال ههنا: * (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) * يعني هي في علم الله فلا تستبطئوها فربما تقع عن قريب والقريب فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث، قال تعالى: * (إن رحمة الله قريب من المحسنين) * (الأعراف: 56) ولهذا لم يقل لعل الساعة تكون قريبة.
* (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا * خالدين فيهآ أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا) *.
ثم قال تعالى: * (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا) * يعني كما أنهم ملعونون في الدنيا عندكم فكذلك ملعونون عند الله * (وأعد لهم سعيرا) * كما قال تعالى: * (لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) * (الأحزاب: 57) * (خالدين فيها أبدا) * (المائدة: 119) مطيلين المكث فيها مستمرين لا أمد لخروجهم.
وقوله: * (لا يجدون وليا ولا نصيرا) * لما ذكر خلودهم بين تحقيقه وذلك لأن المعذب لا يخلصه من العذاب إلا صديق يشفع له أو ناصر يدفع عنه، ولا ولي لهم يشفع ولا نصير يدفع.
* (يوم تقلب وجوههم فى النار يقولون يا ليتنآ أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا ربنآ إنآ أطعنا سادتنا وكبرآءنا فأضلونا السبيلا * ربنآ ءاتهم ضعفين من العذاب ولعنهم لعنا كبيرا) *.
لما بين أنه لا شفيع لهم يدفع عنهم العذاب بين أن بعض أعضائهم أيضا لا يدفع العذاب عن البعض بخلاف عذاب الدنيا فإن الإنسان يدفع عن وجهه الضربة اتقاء بيده فإن من يقصد رأسه ووجهه تجده يجعل يده جنة أو يطأطئ رأسه كي لا يصيب وجهه، وفي الآخرة * (تقلب وجوههم في النار) * فما ظنك بسائر أعضائهم التي تجعل جنة للوجه ووقاية له * (يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) * فيتحسرون ويندمون حيث لا تغنيهم الندامة والحسرة، لحصول علمهم بأن الخلاص ليس إلا للمطيع. ثم يقولون: * (إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا) * يعني بدل طاعة الله تعالى أطعنا السادة وبدل طاعة الرسول أطعنا الكبراء وتركنا طاعة سيد السادات وأكبر الأكابر