مذكورا عند البدء فأظهره وثانيهما: أن الدليل ههنا تم على جواز الإعادة لأن الدلائل منحصرة في الآفاق وفي الأنفس، كما قال تعالى: * (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) * (فصلت: 53) وفي الآية الأولى أشار إلى الدليل النفسي الحاصل لهذا الإنسان من نفسه، وفي الآية الثانية أشار إلى الدليل الحاصل من الآفاق بقوله: * (قل سيروا في الأرض) * وعندهما تم الدليلان، فأكده بإظهار اسمه، وما الدليل الأول فأكده بالدليل الثاني، فلم يقل ثم الله يعيده.
المسألة الرابعة: في الآية الأولى ذكر بلفظ المستقبل فقال: * (أو لم يروا كيف يبدئ) * وههنا قال بلفظ الماضي فقال: * (فانظروا كيف بدأ) * ولم يقل كيف يبدأ، فنقول الدليل الأول هو الدليل النفسي الموجب للعلم الحدسي وهو في كل حال يوجب العلم ببدء الخلق، فقال إن كان ليس لكم علم بأن الله في كل حال يبدأ خلقا فانظروا إلى الأشياء المخلوقة ليحصل لكم علم بأن الله بدأ خلقا، ويحصل المطلوب من هذا القدر فإنه ينشئ كما بدأ ذلك. المسألة الخامسة: قال في هذه الآية * (إن الله على كل شيء قدير) * وقال في الآية الأولى * (إن ذلك على الله يسير) * وفيه فائدتان إحداهما: أن الدليل الأول هو الدليل النفسي، وهو وإن كان موجبه العلم الحدسي التام ولكن عند انضمام دليل الآفاق إليه يحصل العلم العام، لأنه بالنظر في نفسه علم نفسه وحاجته إلى الله ووجوده منه، وبالنظر إلى الآفاق علم حاجة غيره إليه ووجوده منه، فتم علمه بأن كل شيء من الله فقال عند تمام ذكر الدليلين * (إن الله على كل شيء قدير) * وقال عند الدليل الواحد * (إن ذلك) * وهو إعادته * (على الله يسير) * الثانية: هي أنا بينا أن العلم الأول أتم وإن كان الثاني أعم وكون الأمر يسيرا على الفاعل أتم من كونه مقدورا له بدليل أن القائل يقول في حق من يحمل مائة من أنه قادر عليه ولا يقول إنه سهل عليه، فإذا سئل عن حمله عشرة أمنان يقول إن ذلك عليه يسير، فنقول قال الله تعالى إن لم يحصل لكم العلم التام بأن هذه الأمور عند الله سهل يسير فسيروا في الأرض لتعلموا أنه مقدور، ونفس كونه مقدورا كاف في إمكان الإعادة.
قوله تعالى * (يعذب من يشآء ويرحم من يشآء وإليه تقلبون * ومآ أنتم بمعجزين فى الارض ولا فى السمآء وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير) *.
لما ذكر النشأة الآخرة ذكر ما يكون فيه وهو تعذيب أهل التكذيب عدلا وحكمة، وإثابة أهل الإنابة فضلا ورحمة، وفي الآية مسائل: