ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ز يهدي إلى صراط العزيز الحميد " 6 " وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد " 7 " وللكافر غير المعاند عذاب وإن لم يكن من أسوأ الأنواع التي للمكذبين المعاندين.
* (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدى إلى صراط العزيز الحميد) *.
لما بين حال من يسعى في التكذيب في الآخرة بين حاله في الدنيا وهو أن سعيه باطل فإن من أوتي علما لا يغتر بتكذيبه ويعلم أن ما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم حق وصدق، وقوله: هو الحق يفيد الحصر أي ليس الحق إلا ذلك، وأما قول المكذب فباطل، بخلاف ما إذا تنازع خصمان، والنزاع لفظي فيكون قول كل واحد حقا في المعنى، وقوله تعالى: * (ويهدي إلى صراط العزيز الحميد) * يحتمل أن يكون بيانا لكونه هو الحق فإنه هاد إلى هذا الصراط، ويحتمل أن يكون بيانا لفائدة أخرى، وهي أنه مع كونه حقا هاديا والحق واجب القبول فكيف إذا كان فيه فائدة في الاستقبال وهي الوصول إلى الله، وقوله: * (العزيز الحميد) * يفيد رغبة ورهبة، فإنه إذا كان عزيزا يكون ذا انتقام ينتقم من الذي يسعى في التكذيب، وإذا كان حميدا يشكر سعي من يصدق ويعمل صالحا، فإن قيل كيف قدم الصفة التي للهيبة على الصفة التي للرحمة مع أنك أبدا تسعى في بيان تقديم جانب الرحمة؟ نقول كونه عزيزا تام الهيبة شديد الانتقام يقوي جانب الرغبة لأن رضا الجبار العزيز أعز وأكرم من رضا من لا يكون كذلك، فالعزة كما تخوف ترجى أيضا، وكما ترغب عن التكذيب ترغب في التصديق ليحصل القرب من العزيز.
* (وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد) *.
وجه الترتيب: هو أن الله تعالى لما بين أنهم أنكروا الساعة ورد عليهم بقوله: * (قل بلى وربي لتأتينكم) * (سبأ: 3) وبين ما يكون بعد إتيانها من جزاء المؤمن على عمله الصالح وجزاء الساعي في تكذيب الآيات بالتعذيب على السيئات، بين حال المؤمن والكافر بعد قوله * (قل بلى وربى لتأتينكم) * فقال المؤمن: هو الذي يقول الذي أنزل إليك الحق وهو يهدي، وقال الكافر هو الذي يقول هو باطل، ومن غاية اعتقادهم وعنادهم في إبطال ذلك قالوا على سبيل التعجب: * (هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد؟) * وهذا كقول القائل في الاستبعاد، جاء رجل يقول: إن الشمس تطلع من المغرب إلى غير ذلك من المحالات.