له شفيع، فما نفى عنهم الشفيع لعدم الحاجة إلى نفيه لاعترافهم به، وأما هناك فكان الكلام معهم وهم كانوا يدعون أن لأنفسهم شفعاء فنفى.
المسألة الثالثة: قال هناك * (ما لكم من دون الله) * فذكر على معنى الاستثناء فيفهم أن لهم ناصرا ووليا هو الله وليس لهم غيره ولي وناصر وقال ههنا * (ما لكم من ناصرين) * من غير استثناء فنقول كان ذلك واردا على أنهم في الدنيا فقال لهم في الدنيا، لا تظنوا أنكم تعجزون الله فما لكم أحد ينصركم، بل الله تعالى ينصركم إن تبتم، فهو ناصر معد لكم متى أردتم استنصرتموه بالتوبة وهذا يوم القيامة كما قال تعالى: * (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض) * وعدم الناصر عام لأن التوبة في ذلك اليوم لا تقبل فسواء تابوا أو لم يتوبوا لا ينصرهم الله ولا ناصر لهم غيره فلا ناصر لهم مطلقا.
قوله تعالى * (فامن له لوط وقال إنى مهاجر إلى ربى إنه هو العزيز الحكيم) *.
يعني لما رأى لوط معجزته آمن وقال إبراهيم * (إني مهاجر إلى ربي) * أي إلى حيث أمرني بالتوجه إليه * (إنه هو العزيز الحكيم) * عزيز يمنع أعدائي عن إيذائي بعزته، وحكيم لا يأمرني إلا بما يوافق لكمال حكمته، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (فآمن له لوط) * أي بعد ما رأى منه المعجز القاهر ودرجة لوط كانت عالية، وبقاؤه إلى هذا الوقت مما ينقص من الدرجة ألا ترى أن أبا بكر لما قبل دين محمد صلى الله عليه وسلم وكان نير القلب قبله قبل الكل، من غير سماع تكلم الحصى ولا رؤية انشقاق القمر، فنقول إن لوطا لما رأى معجزته آمن برسالته، وإما بالوحدانية فآمن حيث سمع حسن مقالته، وإليه أشار بقوله: * (فآمن له لوط) * وما قال فآمن لوط.
المسألة الثانية: ما تعلق قوله وقال: * (إني مهاجر إلى ربي) * بما تقدم؟ فنقول بما بالغ إبراهيم في الإرشاد ولم يهتد قومه، وحصل اليأس الكلي حيث رأى القوم الآية الكبرى: * (ولم يؤمنوا) * وجبت المهاجرة، لأن الهادي إذا هدى قومه ولم ينتفعوا فبقاؤه فيهم مفسدة لأنه إن دام على الإرشاد كان اشتغالا بما لا ينتفع به مع علمه فيصير كمن يقول للحجر صدق وهو عبث أو يسكت والسكوت دليل الرضا فيقال بأنه صار منا ورضي بأفعالنا، وإذا لم يبق للإقامة وجه وجبت المهاجرة. المسألة الثالثة: قال: * (مهاجر إلى ربي) * ولم يقل مهاجر إلى حيث أمرني ربي مع أن المهاجرة إلى الرب توهم الجهة، فنقول قوله: * (مهاجر) * إلى حيث أمرني ربي ليس في الاخلاص كقوله: * (إلى ربي) * لأن الملك إذا صدر منه أمر برواح الأجناد إلى الموضع الفلاني، ثم إن واحدا منهم سافر إليه لغرض (في) نفسه يصيبه فقد هاجر إلى حيث أمره الملك ولكن لا مخلصا لوجهه فقال: * (مهاجر إلى ربي) * يعني توجهي إلى الجهة المأمور بالهجرة إليها ليس طلبا للجهة إنما هو طلب لله.