فأعلى درجاته أن يكون قريب الملك لكن القربة بالعبادة كما قال تعالى: * (واسجد واقترب) * (العلق: 19). وقال: " لن يتقرب المتقربون إلى بمثل أداء ما افترضت عليهم " وقال: " لا يزال العبد يتقرب بالعبادة إلي " فالمعطل لا ملك ولا قريب ملك لعدم اعتقاده بملك فلا مرتبة له أصلا، وأما التشريك فلأن من يكون سيده لا نظير له يكون أعلى رتبة ممن يكون سيده له شركاء خسيسة، فإذن من يقول إن ربي لا يماثله شيء أعلى مرتبة ممن يقول سيدي صنم منحوت عاجز مثله، فثبت أن عبادة الله وتقواه خير وهو خير لكم أي خير للناس إن كانوا يعلمون ما ذكرناه من الدلائل والاعتبارات.
قوله تعالى * (إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون) *.
ذكر بطلان مذهبهم بأبلغ الوجوه، وذلك لأن المعبود إنما يعبد لأحد أمور، إما لكونه مستحقا للعبادة بذاته كالعبد يخدم سيده الذي اشتراه سواء أطعمه من الجوع أو منعه من الهجوع، وإما لكونه نافعا في الحال كمن يخدم غيره لخير يوصله إليه كالمستخدم بأجرة، وإما لكونه نافعا في المستقبل كمن يخدم غيره متوقعا منه أمرا في المستقبل، وإما لكونه خائفا منه. فقال إبراهيم: * (إنما تعبدون من دون الله أوثانا) * إشارة إلى أنها لا تستحق العبادة لذاتها لكونها أوثانا لا شرف لها.
قوله تعالى: * (إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون) *.
إشارة إلى عدم المنفعة في الحال وفي المآل، وهذا لأن النفع، إما في الوجود، وإما في البقاء لكن ليس منهم نفع في الوجود، لأن وجودهم منكم حيث تخلقونها وتنحتونها، ولا نفع في البقاء لأن ذلك بالرزق، وليس منهم ذلك، ثم بين أن ذلك كله حاصل من الله فقال: * (فابتغوا عند الله الرزق) * فقوله: * (الله) * إشارة إلى استحقاق عبوديته لذاته وقوله: * (الرزق) * إشارة إلى حصول النفع منه عاجلا وآجلا وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال: * (لا يملكون لكم رزقا) * نكرة، وقال: * (فابتغوا عند الله الرزق) * معرفا فما الفائدة؟ فنقول قال الزمخشري قال: * (لا يملكون لكم رزقا) * نكرة في معرض النفي أي لا رزق عندهم أصلا، وقال معرفة عند الإثبات عند الله أي كل الرزق عنده فاطلبوه منه، وفيه وجه آخر وهو أن الرزق من الله معروف بقوله: * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) * (هود: 6) والرزق