أما قوله: * (وله الحكم) * فهو إما في الدنيا أو في الآخرة فأما في الدنيا فحكم كل أحد سواه إنما نفذ بحكمه، فلولا حكمه لما نفذ على العبد حكم سيده ولا على الزوجة حكم زوجها ولا على الابن حكم أبيه ولا على الرعية حكم سلطانهم ولا على الأمة حكم الرسول، فهو الحاكم في الحقيقة، وأما في الآخرة فلا شك أنه هو الحاكم، لأنه الذي يتولى الحكم بين العباد في الآخرة، فينتصف للمظلومين من الظالمين.
أما قوله: * (وإليه ترجعون) * فالمعنى وإلى محل حكمه وقضائه ترجعون، فإن كلمة إلى لانتهاء الغاية وهو تعالى منزه من المكان والجهة.
قوله تعالى * (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم اليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضيآء أفلا تسمعون * قل أرءيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون * ومن رحمته جعل لكم اليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) *.
اعلم أنه تعالى لما بين من قبل استحقاقه للحمد على وجه الإجمال بقوله: * (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون) * ( القصص: 70) فصل عقيب ذلك ببعض ما يجب أن يحمد عليه مما لا يقدر عليه سواه فقال لرسوله: * (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة) * فنبه على أن الوجه في كون الليل والنهار نعمتان يتعاقبان على الزمان، لأن المرء في الدنيا وفي حال التكليف مدفوع إلى أن يتعب لتحصيل ما يحتاج إليه، ولا يتم له ذلك لولا ضوء النهار، ولأجله يحصل الاجتماع فيمكن المعاملات ومعلوم أن ذلك لا يتم لولا الراحة والسكون بالليل فلا بد منهما والحالة هذه، فأما في الجنة فلا نصب ولا تعب فلا حاجة بهم إلى الليل فلذلك يدوم لهم الضياء واللذات، فبين تعالى أنه لا قادر على ذلك إلا الله تعالى، وإنما قال: * (أفلا تسمعون) *