وما ءاتيتم من ربا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وماء اتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون المذكورة في قوله: * (قد أفلح المؤمنون) * (المؤمنون: 1) فنقول كل وصف مذكور هناك يفيد الإفلاح، فقوله * (والذين هم للزكاة فاعلون) * (المؤمنون: 4) وقوله: * (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) * (المؤمنون: 8 المعارج: 32) إلى غير ذلك عطف على المفلح أي هذا مفلح، وذاك مفلح، وذاك الآخر مفلح لا يقال لا يحصل الإفلاح لمن يتصدق ولا يصلي، فنقول هذا كقول القائل العالم مكرم أي نظرا إلى علمه ثم إذا حد في الزنا على سبيل النكال وقطعت يده في السرقة لا يبطل ذلك القول حتى يقول القائل، إنما كان ذلك لأنه أتى بالفسق، فكذلك إيتاء المال لوجه الله يفيد الإفلاح، اللهم إلا إذا وجد مانع من ارتكاب محظور أو ترك واجب.
المسألة الثامنة: لم لم يذكر غيره من الأفعال كالصلاة وغيرها؟ فنقول الصلاة مذكورة من قبل لأن الخطاب ههنا بقوله: * (فآت) * مع النبي صلى الله عليه وسلم وغيره تبع، وقد قال له من قبل * (فأقم وجهك للدين حنيفا) * (الروم: 30) وقال: * (منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة) * (الروم: 31).
المسألة التاسعة: قوله تعالى: * (وأولئك هم المفلحون) * (البقرة: 5) يفهم منه الحصر وقد قال في أول سورة البقرة: * (وأولئك هم المفلحون) * إشارة إلى من أقام الصلاة وآتى الزكاة، وآمن بما أنزل على رسوله وبما أنزل من قبله وبالآخرة، فلو كان المفلح منحصرا في أولئك المذكورين في سورة البقرة فهذا خارج عنهم فكيف يكون مفلحا؟ فنقول هذا هو ذاك لأنا بينا أن قوله: * (فأقم وجهك للدين) * متصل بهذا الكلام فإذا أتى بالصلاة وآتى المال وأراد وجه الله، فقد ثبت أنه مؤمن مقيم للصلاة مؤت للزكاة معترف بالآخرة فصار مثل المذكور في البقرة.
* (ومآ ءاتيتم من ربا ليربوا فى أموال الناس فلا يربوا عند الله ومآ ءاتيتم من زكوة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) *.
ذكر هذا تحريضا يعني أنكم إذا طلب منكم واحد باثنين ترغبون فيه وتؤتونه وذلك لا يربوا عند الله والزكاة تنمو عند الله كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: " إن الصدقة تقع في يد الرحمن فتربوا حتى تصير مثل الجبل " فينبغي أن يكون إقدامكم على الزكاة أكثر. وقوله تعالى: * (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) * أي أولئك ذوو الأضعاف كالموسر لذي اليسار وأقل ذلك عشرة أضعاف كل مثل لما آتى في كونه حسنة لا في المقدار فلا يفهم أن من أعطى رغيفا يعطيه الله عشرة أرغفة بل معناه أن ما يقتضيه فعله من الثواب على وجه الرحمة يضاعفه الله عشرة مرات على وجه التفضل، فبالرغيف الواحد يكون له قصر في الجنة فيه من كل شيء ثوابا