قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " 24 " عن معاند كاذب، وإما أن يكون له متعلق في الذهن على خلاف ما في الخارج فيكون اعتقادا باطلا جهلا أو ظنا لكن لما لم يكن لمتعلقه متعلق يزول ذلك الكلام ويبطل، وكلام الله لا بطلان له في أول الأمر كما يكون كلام الكاذب المعاند ولا يأتيه الباطل كما يكون كلام الظان، وقوله تعالى: * (وهو العلي الكبير) * قد ذكرنا في تفسير قوله تعالى: * (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير) * أن * (الحق) * إشارة إلى أنه كامل لا نقص فيه فيقبل نسبة العدم، وفوق الكاملين لأن كل كامل فوقه كامل فقوله: * (وهو العلي الكبير) * إشارة إلى أنه فوق الكاملين في ذاته وصفاته، وهذا يبطل القول بكونه جسما وفي حيز، لأن كل من كان في حيز فإن العقل يحكم بأنه مشار إليه وهو مقطع الإشارة لأن الإشارة لو لم تقع إليه لما كان المشار إليه هو، وإذا وقعت الإشارة إليه فقد تناهت الإشارة عنده، وفي كل موقع تقف الإشارة بقدر العقل على أن يفرض البعد أكثر من ذلك فيقول لو كان بين مأخذ الإشارة والمشار إليه أكثر من هذا البعد لكان هذا المشار إليه أعلى فيصير عليه بالإضافة لا مطلقا وهو على مطلقا ولو كان جسما لكان له مقدار، وكل مقدار يمكن أن يفرض أكبر منه فيكون كبيرا بالنسبة إلى غيره لا مطلقا وهو كبير مطلقا.
ثم قال تعالى: * (قل من يرزقكم من السماوات والأرض) * قد ذكرنا مرارا أن العامة يعبدون الله لا لكونه إلها، وإنما يطلبون به شيئا، وذلك إما دفع ضرر أو جر نفع فنبه الله تعالى العامة بقوله: * (قل ادعوا الذين زعمتم) * على أنه لا يدفع الضر أحد إلا هو كما قال تعالى: * (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو) * وقال بعد إتمام بيان ذلك * (قل من يرزقكم من السماوات والأرض) * إشارة إلى أن جر النفع ليس إلا به ومنه، فإذا إن كنتم من الخواص فاعبدوه لعلوه وكبريائه سواء دفع عنكم ضرا أو لم يدفع وسواء نفعكم بخير أو لم ينفع فإن لم تكونوا كذلك فاعبدوه لدفع الضر وجر النفع.
ثم قال تعالى: * (قل الله) * يعني إن لم يقولوا هم فقل أنت الله يرزق وههنا لطيفة: وهي أن الله تعالى عند الضر ذكر أنهم يقولون الله ويعترفون بالحق حيث قال: * (قالوا الحق) * وعند النفع لم يقل إنهم يقولون ذلك وذلك لأن لهم حالة يعترفون بأن كاشف الضر هو الله حيث يقعون في الضر كما قال تعالى: * (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه) * وأما عند الراحة فلا تنبه لهم لذلك فلذلك قال: * (قل الله) * أي هم في حالة الراحة غافلون عن الله.
ثم قال تعالى: * (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) * وفيه مسائل: