الرسول إلا البلاغ المبين) * شرع في بيان الأصل الثالث وهو الحشر، وقد ذكرنا مرارا أن الأصول الثلاثة لا يكاد ينفصل بعضها عن بعض في الذكر الإلهي، فأينما يذكر الله تعالى منها اثنين يذكر الثالث. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: الإنسان متى رأى بدء الخلق حتى يقال: * (أو لم يروا كيف يبدئ الله) *؟ فنقول المراد العلم الواضح الذي كالرؤية والعاقل بعلم أن البدء من الله لأن الخلق الأول لا يكون من مخلوق وإلا لما كان الخلق الأول خلقا أول، فهو من الله هذا إن قلنا إن المراد إثبات نفس الخلق، وإن قلنا إن المراد بالبدء خلق الآدمي أولا وبالإعادة خلق ثانيا، فنقول العاقل لا يخفى عليه أن خالق نفسه ليس إلا قادر حكيم يصور الأولاد في الأرحام، ويخلقه من نطفة في غاية الإتقان والإحكام، فذلك الذي خلق أولا معلوم ظاهر فأطلق على ذلك العلم لفظ الرؤية، وقال: * (أو لم يروا) * أي ألم يعلموا علما ظاهرا واضحا * (كيف يبدئ الله الخلق) * يخلقه من تراب يجمعه فكذبك يجمع أجزاءه من التراب ينفخ فيه روحه بل هو أسهل بالنسبة إليكم، فإن من نحت حجارات ووضع شيئا بجنب شيء ففرقه أمر ما فإنه يقول وضعه شيئا بجنب شيء في هذه النوبة أسهل علي لأن الحجارات منحوتة، ومعلوم أن آية واحدة منها تصلح لأن تكون بجنب الأخرى، وعلى هذا المخرج خرج كلام الله في قوله * (وهو أهون) * (الروم: 27) وإليه الإشارة بقوله: * (إن ذلك على الله يسير) *.
المسألة الثانية: قال: * (أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق) * علق الرؤية بالكيفية لا بالخلق وما قال: أو لم يروا أن الله خلق، أو بدأ الخلق، والكيفية غير معلومة؟ فنقول هذا القدر من الكيفية معلوم، وهو أنه خلقه ولم يكن شيئا مذكورا، وأنه خلقه من نطفة هي من غذاء هو من ماء وتراب وهذا القدر كاف في حصول العلم بإمكان الإعادة فإن الإعادة مثله.
المسألة الثالثة: لم قال: * (ثم يعيده إن ذلك على الله يسير) * فأبرز اسمه مرة أخرى، ولم يقل إن ذلك عليه يسير كما قال ثم يعيده من غير إبراز؟ نقول مع إقامة البرهان على أنه يسير فأكده بإظهار اسمه فإنه يوجب المعرفة أيضا بكون ذلك يسيرا، فإن الإنسان إذا سمع لفظ الله وفهم معناه أنه الحي القادر، بقدرة كاملة، لا يعجزه شيء، العالم بعلم محيط بذرات كل جسم، نافذ الإرادة لا راد لما أراده، يقطع بجواز الإعادة.
قوله تعالى * (قل سيروا فى الارض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشىء النشأة الاخرة