بني إسرائيل فظلمهم الثالث: قال القفال: بغى عليهم، أي طلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت يده الرابع: قال الضحاك: طغى عليهم واستطال عليهم فلم يوفقهم في أمر الخامس: قال ابن عباس: تجبر وتكبر عليهم وسخط عليهم السادس: قال شهر بن حوشب: بغيه عليهم أنه زاد عليهم في الثياب شبرا، وهذا يعود إلى التكبر السابع: قال الكلبي: بغيه عليهم أنه حسد هارون على الحبورة، يروى أن موسى عليه السلام لما قطع البحر وأغرق الله تعالى فرعون جعل الحبورة لهارون، فحصلت له النبوة والحبورة وكان صاحب القربان والمذبح، وكان لموسى الرسالة، فوجد قارون من ذلك في نفسه، فقال يا موسى لك الرسالة، ولهرون الحبورة، ولست في شيء ولا أصبر أنا على هذا، فقال موسى عليه السلام: والله ما صنعت ذلك لهارون ولكن الله جعله له، فقال والله لا أصدقك أبدا حتى تأتيني بآية أعرف بها أن الله جعل ذلك لهارون، قال فأمر موسى عليه السلام رؤساء بني إسرائيل أن يجئ كل رجل منهم بعصاه، فجاءوا بها، فألقاها موسى عليه السلام في قبة له، وكان ذلك بأمر الله تعالى، فدعا ربه أن يريهم بيان ذلك، فباتوا يحرسون عصيهم فأصبحت عصا هارون تهتز لها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز، فقال موسى: يا قارون أما ترى ما صنع الله لهارون! فقال والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر، فاعتزل قارون ومعه ناس كثير، وولى هارون الحبورة والمذبح والقربان، فكان بنو إسرائيل يأتون بهداياهم إلى هارون فيضعها في المذبح وتنزل النار من السماء فتأكلها، واعتزل قارون بأتباعه وكان كثير المال والتبع من بني إسرائيل، فما كان يأتي موسى عليه السلام ولا يجالسه، وروى أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كان قارون من السبعين المختارة الذين سمعوا كلام الله تعالى ".
أما قوله: * (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة) * ففيه أبحاث:
الأول: قال الكعبي: ألستم تقولون إن الله لا يعطي الحرام فكيف أضاف الله مال قارون إلى نفسه بقوله: * (وآتيناه) * وأجاب بأنه لا حجة في أنه كان حراما، ويجوز أن من تقدمه من الملوك جمعوا وكنزوا فظفر قارون بذلك، وكان هذا الظفر طريق التملك، أو وصل إليه بالإرث من جهات، ثم بالتكسب من جهة المضاربات وغيرها وكان الكل محتملا.
البحث الثاني: المفاتح جمع مفتح بكسر الميم وهو ما يفتح به، وقيل هي الخزائن وقياس واحدها مفتح بفتح الميم، ويقال ناء به الحمل إذا أثقله حتى أماله، والعصبة الجماعة الكثيرة والعصابة مثلها، فالعشرة عصبة بدليل قوله تعالى في إخوة يوسف عليه السلام: * (ونحن عصبة) * (يوسف: 8) وكانوا عشرة لأن يوسف وأخاه لم يكونا معهم.
إذا عرفت معنى الألفاظ فنقول: ههنا قولان أحدهما: أن المراد بالمفاتح المفاتيح وهي التي يفتح بها الباب، قالوا كانت مفاتيحه من جلود الإبل وكل مفتاح مثل إصبع، وكان لكل خزانة مفتاح، وكان إذا ركب قارون حملت المفاتيح على ستين بغلا، ومن الناس من طعن في هذا القول